نحّاتة تستخدم الإزميل والمطرقة لتحوّل الحجر إلى مجسّم يحاور الأحاسيس وينطق بالأفكار؛ ليلفظ الواقع والحلم معاً.

زارت مدونة وطن "eSyria" النحاتة المهندسة "ميسون حبل" في صالتها الفنية بقرية "المشتاية" في الريف الغربي لمحافظة "حمص"، بتاريخ 28 تشرين الثاني 2016؛ للتعرف أكثر إلى أعمالها الفنية ومدى تأثرها بالمحيط وتأثيرها به من خلال ممارسة نشاطها الفني الإنساني. وعن بداياتها تقول: «بدأت رحلتي بالنحت منذ طفولتي التي بدأت في "حماة" حيث ولدت، ثم انتقلت إلى مدينة "حمص" وعشت فيها جلّ حياتي، في صغري كنت أجمع "العلكة" وأحاول نحتها وتشكيلها مرة أخرى لتقدم فكرة أرغب بتوصيلها إلى الأصدقاء، مع الأيام وفي المرحلة الابتدائية أصبح الصابون و"الجبس" هما المادتان اللتان تعبران عما يجول بداخلي، ونلت خلال تلك المدة جائزة رواد الطلائع. أما في المرحلة الإعدادية، فقد بدأت النحت بمادة الصلصال، حيث التحقت بمركز "صبحي شعيب" وبدأت تظهر لدي الرغبة في ممارسة هذا الفن بحرفية أعلى، فتابعت عدة دورات خاصة بهذا المجال، حينئذٍ تعرّفت أساليب وأفكاراً جديدة، إضافة إلى التقنيات الصحيحة المستخدمة في النحت والصب، وفي المرحلة الثانوية كان الخشب اللغة التي أعبر من خلالها عن مكنوناتي وأفكاري».

"ميسون" تضيف مضموناً إنسانياً إلى عملها؛ فكل منحوتة لديها خلفية إنسانية ومشهد من الطبيعة، من خلال أعمالها تريد أن تقول شيئاً ما لتعبر من خلاله عن أحاسيسها وأفكارها الباطنية؛ وهذا ينعكس على تماثيلها وأعمالها، فتكون النتيجة أن هذه المنحوتات تعكس أفكار "ميسون"، لكن بالشعور والتأمل، وليس بالكلمات

وعن توسيع دائرة مشاركاتها الفنية، تقول: «في عام 2009 انضممت إلى نقابة الفنانين التشكيليين، وبدأت توسيع دائرة عملي من خلال المشاركة في المعارض والفعاليات وكل الأنشطة التي تختص بالفنون التشكيلية؛ ففي ذات العام، كانت لي مشاركة في معرض الخريف السنوي، حيث اقتنت وزارة الثقافة ثلاثة أعمال لي، وبعدها شاركت في معرض "SV Gallery" في "لبنان" مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين والسوريين، ويوجد لي عملان في "الترانس مول"؛ أحدهما يدعى "احتواء" من الرخام النمساوي، والآخر باسم "تحدي" من مادة البازلت و"الكرارة"، وفي 2012 شاركت بمعرض في "دمشق" بصالة "مشوار" مع مجموعة من الفنانين، وهم: "لطفي الرمحين"، "مصطفى علي"، "عيسى قزح"، و"فؤاد دحدوح". وفي "دبي" عام 2016 كان هناك عرض فيلم يشرح عن منحوتاتي وتماثيلي من خلال فعالية اسمها "الرواق"، وفي ذات العام تم رفع الستار عن عمل مهم لي يدعى "سلام" في "المركز الثقافي العربي، مرمريتا"، وفي كل عام أشارك في معرضي "الخريف" و"الربيع" في "دمشق القديمة"».

الرحيل

للنحت أساليب تتبع المادة التي يتعامل معها النحات، وعن ذلك تقول: «عندما بدأت التوسع في مجال النحت وأساليب تشكيل المعادن والأحجار، بدأت متابعة أعمال ورشات النجارين والتعرف إلى أدواتهم ومعداتهم، إضافة إلى أسلوب الاستخدام الصحيح الناتج من تراكم خبرة سنوات لدى بعض الحرفيين، فتعلّمت العمل بالطرائق الفنية وأساليب التعامل مع الخشب بكل أنواعه، إضافة إلى ذلك تابعت العمل مع منشرة حجر وراقبت العمال كيف يقومون بدمج الحجر وصقله وتلميعه، حيث تعرّفت إلى التقنيات والطرائق التي يستخدمونها بعملهم؛ وكل هذا ساعدني في السيطرة أكثر على المواد الخام التي أتعامل معها».

وعلى الرغم من انشغالها بالنحت، توزان "ميسون" بين حياتها العملية والعائلية، وتستمر بالإبداع، وعن هذا الجانب تحدثنا: «كل هذه الأيام التي مضت وأنا أعمل مع المواد الصلبة لأصنع منها تماثيل ومنحوتات ولوحات، فالموهبة والنحت لم يؤثرا أبداً في تربية الأولاد؛ فأنا أم لابنتين وصبي، وهم موهوبون بالرسم والموسيقا، ومتفوقون دراسياً، أيضاً لم أترك عملي في مجال هندسة الكهرباء؛ فأنا الآن أشرف على مشاريع للإنارة، حيث قمت بعمل الإنارة التزيينية في قصر "الزهراوي" في "حمص"، إضافة إلى بعض المشاريع في المنطقة، قمت بنحت ميدالية الرياضية "غادة شعاع" في بيتها بمنطقة "مشتى الحلو" بقطر 2م، وأيضاً لدي لوحتان جداريتان من الحجر في مؤسسة الخدمات الفنية في "حمص"؛ كل واحدة (7*3)م، ولدي العديد من الأعمال داخل قصور وفيلات في "سورية" وخارجها».

اغتصاب

تجيب "حبل" عن سؤالين طرحناهما عليها؛ كيف تتكوّن الفكرة الأولى لديك؟ وكيف تبدأي العمل؟ فتقول: «دائماً فكرة العمل تبدأ بمشهد أو حلم أو حالة داخل الطبيعة؛ فعندما تتضح الفكرة الأولى، أبدأ النحت على قطعة معجون صغيرة لتكون عبارة عن نموذج مصغّر للعمل، وبعد مدة أقوم بدراسة تشريحية لهذا النموذج، وأضع كافة منحنياته وخطوطه وتوازنه، لأبدأ النحت على المادة التي أختارها، مثل: المعدن، أو الخشب، أو الحجر. عندما أباشر النحت تتحول الفكرة تدريجياً إلى مجسم يعبر عن ذاته، وأخيراً تصقل وتلمع ويتم كشف الستار عنها لتوحي عن جوهرها الأخير وفكرتها؛ فالعمل بالنحت هو مجموعة خطوات متتالية ومتناسقة يتحاور خلالها النحات مع المادة الأولى مثل الحجر، لكن كمادة خام، ويستنبط منها شيئاً عقلانياً يستطيع أن يعبر عن أحاسيس الفنان؛ فالنحت هو عبارة عن حوار طويل ومركز بين المادة والنحّات».

وعن صدى أعمالها لدى الملتقين وتقدير الآخرين لها، تحدثنا: «قام كل من الفنان التشكيلي "بسام جبيلي" والمهندس والباحث بالآثار "ملاتيوس جغنون" بتقديم فيلم لي مدته عشرون دقيقة، عنوانه: "سر الوردة"؛ وهو عبارة عن بطاقة مودة وتقدير لأعمالي ومنحوتاتي؛ محاولين من خلاله شرح الأعمال بأسلوب فلسفي أدبي لفن النحت والتناقضات التي يجمعها النحات بالتماثيل والصعوبة التي يعانيها محاولاً اختراق الواقع بالغوص في روح المادة وإصراره على نحتها وصقلها، فالنحات يتعامل مع الموضوع إما بالإضافة أو بالحذف، وفي كلا الحالتين ينظر إلى المملوء باعتباره موضوعاً، وإلى الفراغ باعتباره حيّزاً؛ مع أنهما من طينة واحدة؛ فقيمة المملوء بما يحوي، وجمال الفراغ بما يوحي».

القيد

الفنان التشكيلي "بسام جبيلي" من أهم الفنانين التشكيليين في محافظة "حمص"، قال عن "ميسون": «لديها هاجس كبير بالفن والنحت لدرجة أنه سيطر عليها وأصبح هو الأساس والهدف، حتى إنه تخطّى المهنة، كما أنها تمتلك ميزة تصديها للنحت بالمواد النبيلة الكبيرة مثل الحجر والرخام، أنا شخصياً أظنّ أنه طالما أن التجربة مفتوحة عندها، فعملها وأسلوبها سوف يتبلور ويتطور ليصل إلى طريقة محددة بدقة عالية وبالشكل الكامل حتى يلامس جمال الفن».

أما المهندس "عيسى مصياطي" من المهتمين بأعمالها الفنية يقول: «"ميسون" تضيف مضموناً إنسانياً إلى عملها؛ فكل منحوتة لديها خلفية إنسانية ومشهد من الطبيعة، من خلال أعمالها تريد أن تقول شيئاً ما لتعبر من خلاله عن أحاسيسها وأفكارها الباطنية؛ وهذا ينعكس على تماثيلها وأعمالها، فتكون النتيجة أن هذه المنحوتات تعكس أفكار "ميسون"، لكن بالشعور والتأمل، وليس بالكلمات».

يذكر أن الفنانة "ميسون حبل" من مواليد عام 1970، "سلحب" بمحافظة "حماة"، تخرّجت في كلية الهندسة الكهربائية، جامعة "حلب".