الكل يعرفه وهو الأستاذ في معهد إعداد المدرسين، حلمه لم يتحقق لأنه وكما يقول: «الاستقرار بعيداً عن العاصمة يقلل من فرص الانتشار». هو الموسيقي والرسام "أمين الصغير" تحدث إلى موقع eSyria عن تجربته، عن حلمه، وهواجسه، وكيف ينظر إلى الموسيقا العربية، ما مستقبلها؟، وما الدور الذي تلعبه الكليات والمعاهد الموسيقية؟.

لكل إنسان بداية في كل ما يتجه إليه من عمل، وبداية "أمين الصغير" جاءت وكما يقول: «كان والدي فناناً شعبياً يجيد العزف على الربابة والناي، وكان مجيداً في نظم الشعر الشعبي وغنائه أيضاً، كذلك أخي الأكبر "إسماعيل" الذي كان يمتلك صوتاً مميزاً، ومتقناً للعزف على آلة العود، هذه البيئة أعتقد أن لها الأثر الكبير في التفاتي إلى عالم الموسيقا».

هناك مصطلحات خاطئة، فكل ما يغنّى هو فلكلور، وهو تراث، واعتدنا على إدراجها ضمن هذا المصطلح بعد مرور سنين طويلة، وهذا أمر خاطئ

ولكن يبقى الإنسان أسير تطلعاته، ولابد للمحيط الخارجي أن يؤتي أكله، وهنا يقول: «من الطبيعي جداً أن يعجب المرء بأعلام من الملحنين الذين سبقوه في الخبرة والقدم، وأنا منذ طفولتي منشدّ لفن "الأخوين رحباني" وكذلك الموسيقار "رياض السنباطي" وكل ما قدمه "محمد عبد الوهاب"، ولا يمكن أن أنسى الموسيقار السوري "نوري اسكندر" الذي شدّني بموسيقاه "الشرق عربية" فلكل من هؤلاء لونه الخاص، وهذا ما جعلني أسعى للإلمام بفن الموسيقا، هذا العالم الساحر».

الموسيقي "امين الصغير"

موسيقا "شرق عربية" ماذا يعني هذا المصطلح؟ وهل هناك موسيقا عربية خالصة؟ يقول: «نحن نعيش في منطقة واسعة متعددة الحضارات، فبالإضافة إلى الدول العربية هناك تركيا، إيران، لتصل إلى شبه الجزيرة الهندية، يطلق على موسيقا هذه المنطقة الموسيقا الشرقية، من ضمنها تأتي الموسيقا العربية التي تتميز بالحس والمفردة الخاصة بمشاعر ابن هذه المنطقة».

إذاً هل يمكن اعتبار الفلكلور هو الهوية الموسيقية العربية التي تميزها عن الجوار وباقي الدول؟ يقول: «الفلكلور هو الفن الشعبي الذي يختزله البعض على أنه هو الأغنية الشعبية التي نسمعها يومياً، الفلكلور هو أي تراث موروث تقوم بفعله الشعوب، بمعنى آخر هو (الفن الذي يخص الشعب)».

مع عوده

ويضيف: «هناك مصطلحات خاطئة، فكل ما يغنّى هو فلكلور، وهو تراث، واعتدنا على إدراجها ضمن هذا المصطلح بعد مرور سنين طويلة، وهذا أمر خاطئ».

ننتقل في الحديث إلى وقتنا الراهن، وكثيراً ما وجدنا انتشار الموسيقا لدى جيل الشباب وهي ظاهرة تبشر بالخير، يقول الأستاذ "أمين": «بكل تأكيد ظاهرة المعاهد الموسيقية التي عملت في مدينة "سلمية" سابقاً كان لها الأثر الجيد في نشر الموسيقا العلمية المعتمدة على تعلم أصول العزف وقراءة النوتة الموسيقية، وهذا أمر صحي وله تداعيات إيجابية مع مرور الزمن، ويخلق حالة ثقافية تراكمية ترتقي بالمجتمع عموماً، فطلاب اليوم هم آباء الغد وهذا يدعو للتفاؤل بأن كل منهم سينجب موسيقيين اثنين على أقل تقدير».

كَثُرَ الموسيقيون ولا وجود لفرقة واضحة ما السبب في ذلك؟ يجيب: «كثيراً ما كانت الفرق الموسيقية وليدة مشروع معين أو مناسبة بعينها أي أنها لم تكن مدروسة بشكل علمي وتقني، أضف إلى ذلك وجود ذهنية الصف الأول لدى الكثيرين منهم وكان لهذا أثره السلبي، ناهيك عن دخول آلة الأورغ التي فرطت عقد الفرق الموسيقية».

ولكنه ترك الباب مفتوحاً أمامنا فقال: «نحن اليوم بصدد تشكيل فرقة موسيقية تضم أبرز العازفين في "سلمية" ومعظمهم أكاديميون، وأنا متفائل بها، وسنعمل جميعنا ألا يصيبها ما أصاب الفرق التي سبقتها».

لكنه المدرس في معهد إعداد المدرسين لماذا لم يجد لنفسه المكانة التي يستحقها، فيقول: «لكل طامح في الظهور أن تكون العاصمة وجهته، فالريف يخلق النجوم ولا يصنعهم، بالنسبة لي هناك ثلاثة عوامل حالت دون تحقيق ما كنت أطمح له، السبب الأول هو الكسل الشخصي وأنا أعترف بذلك، السبب الثاني وقد ذكرته سابقاً وهو المكان والبعد عن العاصمة، السبب الثالث البعد عن الإعلام أو حتى التواصل معه، فأنا لم أدق الباب، لذا لم أسمع الجواب».

من هناك نأتي إلى السؤال المهم والذي يبدو الأهم، فما هو رأي الفنان الموسيقي "أمين الصغير" بالمناهج التدريسية في المعهد العالي للموسيقا أو في كلية التربية الموسيقية، يقول: «منذ أن تأسس المعهد العالي للموسيقا في سورية أخذ على عاتقه الموسيقا الغربية فقط، مؤخراً بدأ الاهتمام بالموسيقا العربية أو الشرقية، ولكن حتى هذا التاريخ كل خريجي المعهد والكلية درسوا الموسيقا على الآلات الغربية، حتى أنهم ظلموا آلة "الكمان" وجعلوها فقط آلة غربية».

ويضيف: «هذا ما دعا الخريجين إلى النظر بدونية إلى الموسيقا العربية ومن يزاولها أيضاً، والبعض اعتبرها غير وافية للغرض، وأنها ضعيفة، وحدها الموسيقا الغربية التي يجب أن تدرس، والتي تسمع، هذا التوجه هو من السموم التي يبثها الغرب».

ويتابع: «الموسيقا هي لغة العالم لكننا أيضاً نحب موسيقانا لأنها إرث أجدادنا، هي أصلنا وأصالتنا، تراثنا وتفكيرنا شأنها شأن اللغة العربية والتي لولا جهود القلة لاندثرت، فأنا وفي ظل هذا المعطى أتوقع للموسيقا العربية الاندثار خلال سنوات قريبة، وسيحل محلها موسيقا شعوب أخرى، اعتبرها صرخة موسيقي: الموسيقا العربية في خطر وأتمنى ألا أقول: (وامعتصماه)».

من هذه الصرخة المجلجلة ننتقل لنبحث في عوالم "أمين الصغير" التشكيلية، فعالمه مليء بالعلامات الموسيقية والسلالم الأفقية لكنه عبث كثيراً بتلك السلالم المتكئة على كتف جدران بيوتنا الترابية، سألناه عن هوسه بالرسم فقال: «عشر سنوات مضت وأنا مبتعد عن اللوحة، هو الواقع الذي أبعدني، ولكن تبقى اللوحة والموسيقا رفيقيّ يتأثران ببعض، وكل واحد يأخذ من الآخر».

والجدير ذكره أن الموسيقي "أمين الصغير" من مواليد "سلمية" في العام 1961

ــ من أعماله: 18 أغنية مأخوذة عن قصائد وتراتيل دينية لكبار الشعر الصوفي مثل "ابن الفارض"، و"علاء الدين المحمد"، والشعراء "حسين الجندي" و"المؤيد بنصر الله"، و"إسماعيل عدرة"، و"عدنان زينو".

ــ هو مدرس في معهد إعداد المدرسين- قسم الموسيقا بحماة.

ــ يجيد العزف على آلتي "الكمان" و"العود".