أن ترسم جيداً.. يعني أن ترى جيداً، ولأن ما يراه الفنان بعين تبحث عن جمال الأشياء.. لا بد من عين ثاقبة ترصد التفاصيل الدقيقة، تلك التي لا يراها سواه. هو الزمن يبحث في طيات الإنسانية عن رؤى حالمة تعكس السلام الذي ينشده، والطمأنينة التي يبحث عنها.. وريشة الفنان صادقة بقدر ما يكون هو صادقاً مع نفسه، عاشقاً لما يفعل، مسجلاً اللحظة كانطباع جميل.

موقع eSyria التقى الفنان التشكيلي "أمين محمود الجندي" يوم الاثنين 9/3/2009. مسجلاً الحوار الآتي:

  • كيف تتعامل مع مسألة اللون في لوحاتك؟
  • الفنان "أمين الجندي"

    ** قبل كل شيء اللون هو حالة من الإحساس، والتي يجب على الفنان أياً كان متمتعاً بها، الأمر الثاني هو مدى تعلق اللون وارتباطه بالفكرة موضوع العمل، وكل لوحة لا تعالج موضوعاً بذاته، هي لوحة ناقصة، إن لم نقل أنها لا تدخل في إطار الفن المكتمل.

  • بداية كل فنان تعلقه برسم الطبيعة الصامتة، ماذا تعني لك هذه الطبيعة، وكيف يمكن أن تتحول إلى ناطقة؟
  • سريالية القهر البشري

    ** من الطبيعي أن يتعلق كل إنسان بالمحيط الذي يعيش، وما نسميه اصطلاحاً طبيعة صامتة، هي أشياء ندركها، نتحسسها، نعيش معها، وربما تقدم لنا الفائدة. ولكن هذه الطبيعة تتحول على يد الفنان إلى شيء مختلف، فهي لا ترتبط مع الآخرين العاديين بأحاسيس، لأن أعينهم لا تلتقط مكامن الجمال عندها، ولكنها مع الفنان هي شيء مختلف، فتراها تتحاور معه، تعطيه من روحها، ويعطيها من إحساسه، وهنا يمكن الفارق بين رؤية المتلقي للأشياء، وعين الفنان المجهرية.

  • كثيراً ما طبع فنان بلون امتاز به، أي الألوان تستهوي "أمين الجندي" ولماذا؟
  • مع ابنته "إنارة" وعدد من الفنانين

    ** ما يقال ليس دقيقاً، ومعظم الفنانين التشكيليين مروا بكل الألوان، ولكن بعد فترة طويلة من العمل الفني قد يتسم فنان ما بطبيعة ألوان ربما تعكس حالته التي يمر بها ولفترة ليست بالقصيرة، بالنسبة لي وبعد هذا العمر أجد نفسي ميالاً للون الرمادي، فهو يعبر عن الهدوء، عن المناطق الوسطى في هذه الحياة الصاخبة، كذلك أتعامل مع اللون الأخضر الذي يعبّر عن الحياة، وبالتالي لا أجمل من حياة هادئة، هانئة.

  • أنا أرسم.. يعني أنني أصيغ العالم كما أراه، كيف يرى "أمين الجندي" العالم وهو يرسم لوحته؟
  • ** يمكنني بهذا الصدد أن أستعير مقولة الفنان العالمي "غوستاف كورييه" (أن ترسم جيداً.. يعني أن ترى جيداً).. ولكل فنان عين خاصة به، و بها يرى ما حوله، فيلتقط المنظر الذي يستهويه.. وعين الفنان تختلف عن عين الإنسان العادي.. فهي تحلل الواقع.

  • لكل فنان امرأة تمتلك لوحاته.. من هي المرأة في لوحاتك؟
  • ** للمرأة إسقاطان، اجتماعي، وسياسي، فالمرأة بالمنظور الاجتماعي هي الأم، الحبيبة، أما في المنظور السياسي تتحول إلى أرض، إلى وطن، إلى كرامة.. وأنا أرسمها في كلا المنظورين، وهنا نعود للقول إن ما يتحكم باللوحة هو الفكرة.

  • المرأة الفنانة ترسم نظيراتها مقيدات.. ما السر في هذا التوجه عندهن؟
  • ** الأمر لا يقتصر على الفنانات فقط، بالنسبة لي استخدمت القيد للمرأة، ولكن لكل قيد بعد مختلف.. لكن المرأة الفنانة تعتبر نفسها صاحبة مشروع في عرض مشكلة المرأة على العالم، وأنها الضحية، وهذا ليس صحيحاً بالتأكيد، فكثر هم الفنانون الذين عرضوا مشكلة المرأة، وجاهدوا في سبيل تحريرها من هذه القيود عن طريق رسم بشاعة هذه القيود.

  • هل من لحظات خاصة ترسم فيها، أم أن كل الوقت هو للرسم؟
  • ** لا يمكن لي أن أرسم دون دافع ما، أو محرض، لا يمكن أن أفتعل لوحة، بل أريد أن أفعل لوحة، وهذا لا يتوفر لي كل الوقت. مررت بفترة ركود طالت بعض الشيء، لكن الحرب على "غزة" أجّجت المشاعر، وأعادت لي ولسواي من الفنانين حالة البحث عن محرض، و"غزة" بكل تفاصيلها كانت محرضاً.

  • ماذا يشدك لدى رؤية طفل يبكي ـ أي طفل ـ بعيداً عن الحروب والكوارث؟
  • ** عندما يبكي يجب أن يبكي العالم بأسره، الطفل يمثل البراءة، وعار على الإنسانية أن تسقط دمعة من عين هذه البراءة. أفضل أن أرسم الطفل الباسم، ذا الوجه المشرق، لأنه يدعو إلى التفاؤل في زمن بات فيه الإنسان يبحث عن بارقة أمل في غد مشرق.

  • في إحدى لوحاتك "بانوراما المرأة والمزمار" حاولت أن تختصر المفاهيم كلها في لوحة.. لماذا؟
  • ** عادة يعني "المزمار" الشجن في حالة معينة، وهي حالة تعبيرية، والبيوت الفقيرة تعني البساطة، والعفوية، ودائماً يعيش أهل هذه الأماكن حياة عفوية دون زيف أو تكلف.. ليأتي "الطاووس" ليعبر عن حالة الكبرياء لدى هؤلاء الناس، على عكس ما يراه البعض في هذا "الطاووس" المتعالي، والمعتز بجماله. وتدخل شجرة "الحور" رمزاً للشموخ، والتناسق والعلو.. بينما "الحمامة" والتي ترمز للسلام دائماً، وهذا في المفهوم السياسي، لكنني في هذه اللوحة تعني الاستقرار والأمان.. لتأتي المرأة تحمل استمرارية الوجود عبر طفل يحمل الخير.

    والجدير بالذكر أن الفنان "أمين الجندي" من مواليد "سلمية" عام 1952.. تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1980، مدرس لمادة الفنون في ثانويات "سلمية".. شارك في كل المعارض المشتركة التي أقيمت في مدينته، وفي "حمص" و"دمشق" وله معرض فردي واحد كان عام 1973 أي قبل دراسته في كلية الفنون، وله مشاركات فنية أقيمت في المركز الثقافي الإسباني أثناء فترة الدراسة في العام 1976.