فقدت "سلمية" يوم الجمعة 20/1/2009 ابناً من أبنائها المميزين، فقد رحل عنها الفنان التشكيلي "علي آدم" ابن السادسة والأربعين عاماً، بعد معاناة مع المرض، والفنان من مواليد "سلمية" في العام 1962 وخريج كلية الفنون الجميلة من جامعة "دمشق" وله مشاركات عدة في معارض تشكيلية مختلفة

كذلك له كتابات منشورة في الصحف السورية. ولأننا لم نستطع أن نغطي الحدث الجلل في لحظته حفاظاً على المشاعر، انتظرنا بعض الوقت، وكان لزاماً علينا أن نقدم هذا الفقيد لجمهور الفن التشكيلي، ولو أننا تمنينا أن يكون التعريف به من خلال لقاء خاص به، لكن يد المنون لا تمهل.

كلما اقتربت منه مبتعداً عن ذاتك تكتشف أنه أقرب إليك منك، وأبعد منك عنك، فلا يمكنك أن تقبله أو ترفضه، ولكنه من المؤكد أنه لا يُنسى أبداً

وموقع eHama سجل انطباع أقرباء، وأصدقاء الراحل، وتركنا لهم المجال كي يعبروا عما في دواخلهم تجاه شخص كان لفقده الأثر الكبير.

الكاتب والناقد "لؤي آدم"

أول المتحدثين عن مسيرة الراحل، صديقة، وقريبه الباحث والكاتب والناقد "لؤي آدم" حيث قال: «مرّ "علي" في حياته التشكيلية، القصيرة نسبياً، بعدة مراحل، تخللها فترات انقطاع عن الرسم استمرت لسنوات، وكانت مراحله الفنية متداخلة في المنهجية المدرسية، وقد توزعت جغرافيّاً على "دمشق" "اللاذقية" "سلمية"، فالمرحلة الكلاسيكية مرّ بها كأي فنان يسعى لامتلاك أدواته الفنية ومفرداته البصرية. فالموهبة الفطرية بدأت في مسقط رأسه "سلمية" ثم صقلت من خلال دراسته الأكاديمية بشكل لافت للنظر، وكان من زملائه في تلك المرحلة الفنان النحات "حاتم علوش" والفنان "إسماعيل نصرة" والفنان الراحل "رديف أرسلان" كما أنه لقي اهتماماً خاصاً من قبل صديقه وأستاذه الراحل أيضاً الفنان "فاتح المدرس" الذي عبر برأيه عن "علي" قائلاً: ("علي" فنان حقيقي، وشاعر أيضاً، فهو من مدينة الشعراء....) وهذا التأثر بأسلوب وروح وشخصية "فاتح المدرس" انسحب على كافة مراحل حياته الفنية».

ويتابع "لؤي آدم" عن طبيعة الفنان الراحل وعن المدارس الفنية التي تأثر بها فقال: «ربما كان ولع "علي" بأعمال الفنان الهولندي العالمي "فنسنت فان كوخ" صبغه بطابعه، كما أنه تأثر بالفنان الروسي "فالنتين سيروف" لهذا تشبع أسلوبه بالمنهج التعبيري تارة، وبالمنهج الرمزي تارة أخرى، وأذكر أنه رسم لوحة زيتية بألوان وحشية صارخة، مطلقاً عليها تسمية استفزازية نقدية معبرة وهي (الحصان يعود كلباً) فكانت لوحة فكرية متميزة، وقد رفضت هذه اللوحة، فيما قبلت بقية اللوحات بتردد شديد، في أحد المعارض، وهنا اتخذ "علي" قراره الحاسم إما أن يشارك بجميع لوحاته، وإما فالمشاركة دونها يعتبرها خيانة حقيقية لها».

إحدى لوحات الفنان الراحل

وأخذت حياة الراحل منحىً جديداً، يصفها الباحث "لؤي آدم" قائلاً: «بعد أن تم رفضه ببرودة، وبلا مبالاة، سافر "علي" بريشته لأعمال غير جادة في قيمتها الفنية أو الفكرية، وهذا ما زاده حدّة وعصبية، فرسم لوحة تفجرت بالألوان وأسماها (البركان)، بعد ذلك نفذ العديد من الأعمال التجريدية، في نقلة نوعية ليقدمها عام 1988 في المركز الثقافي الروسي بـ "دمشق" وحينها وصفه الناقد التشكيلي "د. محمود شاهين" بالملوّن المتميز، ونشر ذلك على صفحات جريدة تشرين السورية».

وفي "اللاذقية" كان الراحل مدرساً في معهد إعداد المدرسين، وعن هذه المرحلة يقول الناقد والباحث "لؤي": «هناك اكتست ألوانه بألوان البحر والسماء، لكنه لم يطل المقام في "اللاذقية" فعاد إلى "سلمية" ليبتعد عن الرسم متوجهاً نحو الكتابة لسنوات، وعندما عاد مجدداً، انعكست حالته النفسية فائقة الحساسية، على أعماله التي أصبحت تفتقد لألوانه الزاهية والقوية، لتحل محلها الألوان الرمادية المتوغلة نحو السواد، معبراً بذلك عن الإحباط واليأس والفقر الشديد، كما الإهمال والتهميش الذي تعرض له».

"أمين آدم" شقيق الراحل

وعن حياته الخاصة يقول "لؤي": «كلما اقتربت منه مبتعداً عن ذاتك تكتشف أنه أقرب إليك منك، وأبعد منك عنك، فلا يمكنك أن تقبله أو ترفضه، ولكنه من المؤكد أنه لا يُنسى أبداً».

وللمخرج السوري المعروف "هيثم الزرزوري" رأي بالفنان الراحل فيقول: «"علي آدم" فنان تشكيلي مهم جداً، لكن للأسف لم يحاول أن يبحث عن الفرصة المناسبة، لو فعل لكان ظهر على الساحة بشكل أفضل، مع أنه كان صاحب مشروع مهم، وما أعرفه أنه كان يعمل على السير الشعبية، وآخر ما كان منهمكاً في تحقيقه هي ملحمة "جلجامش" ولو كتب لهذا المشروع أن يتم لكان من أهم ما قدم على الصعيد العربي وليس السوري فقط، خسارتنا بفنان مثله لا تعوض».

أما السيد "أمين آدم" شقيق الفنان الراحل فيقول: «علاقتي به تجاوزت حدود الأخوة، كانت صداقتنا تعبر إلى مساحات واسعة في الحوار، والنقاش. كانت رؤيته ثاقبة، وحسه الفني عالي المستوى، عبر عن ذلك بأكثر من لوحة، وخاطرة، أو قصيدة. له فلسفة خاصة، ومن يجالسه يشعر بهذا الجانب. لوحاته الـ /50/ الأخيرة رسمها بقلم الرصاص، والرسم بقلم الرصاص يحتاج لحس فني عالٍ، وهذا ما كان يمتلكه الراحل، ولكنه كان يعتبر كل ما يقوم به عبث بعبث، فقد عاش مغموراً، ومات مقهوراً».