كتب الأديب والقاص "أحمد باشا" أدبه من منظارين متكاملين لا ينفصلان؛ فالبوح الذاتي المسكّن للألم الداخلي لتفريغ الشحنة النفسية، يتكامل مع المسؤولية الكبيرة تجاه تصوير الواقع بكل مشكلاته؛ بهدف الإصلاح والفرح.

فالقيمة الجمالية في العمل الأدبي وليدة البيئة الأدبية بأبعادها الزمانية والمكانية، وتلزم صاحبها على حدّ قول الأديب "أحمد باشا" بالتكيف معها ومجاراتها، مضيفاً لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 كانون الثاني 2017: «تنطلق القيمة الجمالية من خلجات النفس الإنسانية ذات المظاهر المتجددة المتطورة، لتكوّن فكراً يجسد فيه الإنسان تجاربه ومشاعره، وتتحدث إليه في آلامه المريرة وآماله الكثيرة».

تنطلق القيمة الجمالية من خلجات النفس الإنسانية ذات المظاهر المتجددة المتطورة، لتكوّن فكراً يجسد فيه الإنسان تجاربه ومشاعره، وتتحدث إليه في آلامه المريرة وآماله الكثيرة

ويتابع حديثه عن البدايات بالقول: «البدايات كانت فطرية منذ الصغر، اكتشفها مدرّسي؛ فبدايتي كانت في المرحلة الابتدائية، حيث كنت أكتب قصصاً خيالية بسيطة، لفتت انتباه كل من قرأها وخصوصاً معلمي في الصف الخامس، الذي شجعني على المطالعة وتكثيفها؛ لذا قرأت الكثير من الكتب الأدبية في عمر مبكر جداً، وكانت بداية كتاباتي الجدية متأثراً ببيئتي والوسط الذي أعيش فيه بحلوه ومرّه، فحاولت نقل أتراح الواقع وأفراحه من خلال قصص أشبه بالاحتراف كما سماها بعضهم، وما زلت أرسم بكلماتي لوناً أحمر وضحكة خضراء».

الدكتور زهير سعود

كتابة القصة كانت جزءاً منه، متأثراً بطبيعة العمل والواقع؛ لذلك كان منعكساً مهماً، تحدث عنه بالقول: «عملي كمعلم أغنى كتاباتي؛ فتعاملي مع الطفولة والبراءة منحني مداد حروفي، وحاك ثوب الكثير من قصصي. إضافة إلى أن المجتمع في تشعباته المرعبة ضمن واقعه المرعب هذه الأيام، جعلني أمسك قلمي وأغمسه في دواة الصدق، وأخط به ما أراه وأثّر بي، فما يحصل في بلادي الآن لا يمكن أن يجعلنا نقف بعيدين عن آلة تصويرنا ونقل أحاسيسنا بالموت، الذي يحتل كل مكان في وطن الجمال».

لقد اتخذ الأديب "أحمد" منصة التواصل الاجتماعي منبراً أغنى تجربته، وأضاف: «هي منصة لها إيجابيات كثيرة، حيث نلمس التفاعل الجاد في كثير من الصفحات، لتعوض عن غياب القلم والورق، ويحل محله النقر والشاشة، ناهيك عن النقاشات والردود وتحليلات ودراسات العمل الأدبي من قبل كتاب لهم باع في ذلك، إضافة إلى مسابقات إبداعية ذات مستوى عالٍ، كل ذلك جعلنا نتغاضى عن سلبياته، ونتخذ منه وسيلة جيدة لنشر ما نكتب ونرتقي بأعمالنا الإبداعية، منتظرين تفاعل الكثيرين من القراء، والدراسات المناسبة لأدبنا».

الأديب شفيق الموعي

ويتابع عن مساهمة التواصل بإثراء تجربته، فيقول: «فزت بالعديد من الجوائز الأدبية، وأغلبها على مواقع التواصل الافتراضية، فالتفاعل الكبير من خلال الردود والتعليقات وشغف الاطلاع والدراسات القيمة لنقاد بارعين، جعلني أثق كل الثقة بالصفحات التي تعنى بالأدب والإبداع، ومنها: "رابطة القصة القصيرة جداً" في "سورية"، و"الهراديبية"، و"منارات الأدب والإبداع"، ومجلة "نجوم الأصدقاء"، ومجلة "نجوم الأدب والشعر"، وغيرها الكثير، وخصوصاً بالحضور الكبير لكتاب كبار فيها على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور "زهير سعود"، والدكتور "محمد ياسين صبيح"، والكاتب "حسن جبقجي"، والكاتب "أحمد طنطاوي"، وغيرهم الكثيرون.

وكل ذلك شجعني على المشاركة في التنافس الذي يخلق جوّ الإبداع من خلال مسابقات تجريها تلك الصفحات الإلكترونية، حيث نلت مراكز متقدمة في كل المسابقات تقريباً، منها نجم العام 2015 للقصة القصيرة جداً ضمن مجلة "نجوم الأدب والشعر" عن قصتي "لؤم" و"الحذاء"، حيث نلت المرتبة الثالثة. وفي عام 2016، نلت المركز الأول عن قصة "اتجاهات"، وفزت بالمركز الأول عن قصة "الحذاء" في مسابقة "منارات الأدب والإبداع". وأيضاً المركز الثالث في مسابقة "رابطة القصة القصيرة جداً" عن قصة "نقاء"، والمركز الأول عن قصتي "أنقاض" في مسابقة مجلة "نجوم الأصدقاء" الجزائرية نهاية عام 2016».

الأديب أحمد باشا

وعن سبب اختياره للقصة القصيرة جداً كتصنيف أدبي، قال: «القصة القصيرة كانت وما زالت أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر؛ لأنها انتقلت بمهمة القص الطويلة من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية كاملة بكل ما يحيط بها من حوادث وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو زاوية واحدة من زواياه، ورصد خلجة واحدة من خلجاته، أو ربما نزعة صغيرة وتصويرها تصويراً مكثفاً خاطفاً، حيث يشعر المتلقي بالمتعة والنشوة والإشباع من الفكرة».

وفي لقاء مع الأديب الدكتور "زهير سعود"، قال: «الأديب القاصّ "أحمد باشا" شاعر وكاتب وطني، تميّز بأساليبه السردية للقصّة القصيرة والقصيرة جداً بما امتلكه من لغة قوية، وتراكيب لفظية وحبكات حدثية ومفارقات تنوعت أشكالها وتعددت مدلولاتها، حتى تبوأ موقعاً ريادياً في عداد الكتاب السوريين الذين التزموا الهمّ الوطني والاجتماعي والإنساني، ومكّنته معارفه الثقافية وخبراته المشهودة في فنون الصياغة من إنتاجه الغزير لهذه الأجناس والفروع الأدبية الدارجة في هذا العصر، وهو عصر متسم بسرعة الدفق الشعوري وشمولية الأبعاد التواصلية المعرفية للمنجز المقنع لانطباعات المتلقي الباحث عن متعة الدلالة وسبل حيازتها.

وقد استهواني فيما يكتب امتلاكه ناصية الإبداع، كما أن تراكيبه اللفظية وجمله السردية، أو طرائق الزخم التراتبي لعقدية الأحداث وطرائق تفريغها بما أنجزه من مواد ومواضيع، اتسمت بجدّية الغايات ومواكبتها هموم الشارع بطرائق بنائية، غموضها ممتع، وسبكها اللغوي مقنع، وتناصّها مطوّر ومحدّث؛ وهو ما دفعني في كثير من الأحيان إلى الاستناد على نصوصه في قراءات توضح هذا الجنس الأدبي، وتكشف عن عناصره المكوّنة وأركانه البارزة في نصوص الكاتب التي تظهر تجربته الغنية، ومدى اهتمامه وخبرته بالأجناس الأدبية، التي طالها قلمه الإبداعي».

المدرّس الأديب "شفيق الموعي"، قال: «"أحمد باشا" كاتبٌ غنيٌّ عن التعريف، له بصمتُه في دنيا الأدب والإبداع، وهو أستاذٌ في فنّ الكتابةِ، وعلمٌ من أعلامِ القصةِ القصيرة.

وتبدو أهميةُ كتاباتِه في كونِها أصبحت نموذجاً يُحتذى، ومثالاً يُقلّده الأدباء؛ فهم يغرفون من ينبوعه الثرّ ماءً نميراً سائغاً للشاربين، وتتجلّى أهمّيتها في منطقتِنا في كونِها لها قصبُ السّبق، وتمتازُ بأسلوبها الرشيق، ومعناها العميق، ومرماها البعيد، ونكهتها الخاصة؛ فسحرُ بساطتِها، وخلوّها من التعقيد يمنحها قدرة الدخولِ إلى القلوبِ واحتلالِ شغافها بلا استئذان، وتفرضُ نفسَها بقوّة الخلقِ والإبداع أنيساً وسميراً لقرّائها.

تناول مواضيع متنوّعة؛ فهو ابنُ بيئةٍ فلاحيةٍ مكافحة عانتْ -وما زالتْ- الظلم والتهميش، وهو رجلٌ وطنيُّ بامتياز، ومن الطبيعيّ -وإنْ تعدّدتْ موضوعاتُه- أن ينعكسَ ذلك في أدبه الجادّ والساخر؛ ففي معظمِ أقصوصاته نجد البعدَ الاجتماعي والدفاع عن الفئات البائسة، وكذلك الذود بشراسةٍ عن حياضِ الوطن».

يشار إلى أنّ القاص "أحمد باشا" من مواليد مدينة "سلحب"، عام 1967.