بأدواته البسيطة وموهبته التي رافقته منذ الصغر؛ أبحر النحّات "علي فخور" في عالم النحت؛ ليبعث رؤيته الفلسفية للطبيعة من خلال منحوتات رخامية تعيد قيم التاريخ وتحيي الأساطير القديمة؛ ليخطّ لنفسه أسلوبه الخاص الذي ميّزه عن غيره من النحّاتين.

لمعرفة المزيد عن تجربته الفنية بعالم النحت، تواصلت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 كانون الأول 2016، مع النحّات "علي فخور" المقيم في مدينة "سلمية"، ليحدثنا عن مسيرته بالقول: «نشأت في بيئة ريفية بين مكونات الطبيعة من حجارة وتربة؛ وهذا الحضور الدائم بين أحضان الطبيعة قدّم لي القدرة على التعاطي مع كتل الصخور وأشكالها المختلفة؛ فقد كنت أتخيّل الحجارة على أنها أشكال ومجسمات لحيوانات وأشخاص، وأحاول بكل الطرائق تحويل هذه الصخور بكسر بعض حوافها لتصبح مجسّماً فنياً تشكلت صورته مسبقاً في ذاكرتي، أضف إلى ذلك أن الطبيعة هي الأكثر تأثيراً بخيال النحّات؛ فهي تغني رؤيته وخياله للتنقيب عن التكوين المختبئ في الحجر الملقى على الأرض لإظهاره بطريقة فنية ومبتكرة».

نشأت في بيئة ريفية بين مكونات الطبيعة من حجارة وتربة؛ وهذا الحضور الدائم بين أحضان الطبيعة قدّم لي القدرة على التعاطي مع كتل الصخور وأشكالها المختلفة؛ فقد كنت أتخيّل الحجارة على أنها أشكال ومجسمات لحيوانات وأشخاص، وأحاول بكل الطرائق تحويل هذه الصخور بكسر بعض حوافها لتصبح مجسّماً فنياً تشكلت صورته مسبقاً في ذاكرتي، أضف إلى ذلك أن الطبيعة هي الأكثر تأثيراً بخيال النحّات؛ فهي تغني رؤيته وخياله للتنقيب عن التكوين المختبئ في الحجر الملقى على الأرض لإظهاره بطريقة فنية ومبتكرة

النحت هو البصمة الخاصة التي يظهرها الفنان عبر منحوتاته بأفكار تراوده يعبّر عنها بأدواته لإكمال الشكل الذي يريده ويضفي عليه طابعاً من الجمال والتفرد؛ هذا ما تابع به "فخور" حديثه، ويضيف: «في نحتي أبحث دائماً عن العراقة، وأعدّ نفسي إنساناً قديماً متجسّداً بالحاضر؛ فالحضارات الأصيلة هي التي تجذبني لتجسيدها بمنحوتاتي، وخصوصاً أنني من محبي الأساطير ومتابعيها، فكنت دائماً أختار شخصية محددة بالأسطورة، وأقوم بتجسيدها بلوحات رخامية تعيد قيم التاريخ وهويته القديمة، وتظهر فلسفة الأساطير بالدخول إلى أعماق الشخصية التي أقوم بنحتها، وأطلق العنان لإحساسي الصادق والعفوي الذي يظهر جليّاً في أعمالي التي اتصفت بالوضوح؛ وخصوصاً أنني أقوم بسرد وربط قصص وأساطير تاريخية مع العمل الفني ليبقى حاضراً في أذهان الناس؛ فالفن نتاج من ماضٍ يعكس الحاضر، ونظرة إلى المستقبل».

منحوتة من الرخام باسم "بيسان"

الفن هو التعبير الجمالي عن الواقع، كما أنه العلم الذي يخدم المجتمع ويعبر عن ثقافته وتطوره؛ بحسب رأي النحات "علي فخور"، ويتابع حديثه: «بصراحة أنا أرى أنّ الفنّ انقسم إلى نوعين: فنّ ما قبل سنوات الحرب على "سورية"؛ الذي حمل رسالة فنية للمجتمع تعبر عن هموم وهواجس فنانيه بهدف إيصال فكرة محددة مرتبطة بواقع الإنسان وبيئته. أما النوع الثاني، فهو فنّ ما بعد الأزمة، الذي أصبح رسالة وطنية يجب أن يتركز محوره الأساسي على حبّ الوطن والانتماء إليه، وخصوصاً أن الفنان لا ينفصل عن واقعه؛ فكل مرحلة من حياته تفرض حالة شعورية، وأخرى لا شعورية معينة تنعكس على أعماله، ويمكن ملاحظتها مباشرة بعين الناظر، فأغلب منحوتاتي تعبر عن الواقع وقضايا المجتمع السوري من خلال إعادة قيم التاريخ وهويته، حيث اعتمدت طرحاً فنياً خاصاً للتعبير عن هواجسي لإظهار القيمة التعبيرية والوظائفية لمنحوتاتي».

وعن بداياته، يقول: «أول عمل نحتي لي كان منذ سنوات طويلة، حين كنت في العاشرة من عمري، حيث شاركت بمعرض مدرسي بعمل نحتي من الجبصين، وكنت أعدّه عملاً ضعيفاً، إلا أنني فوجئت بالإعجاب الذي لاقاه، وقد ارتبطت أعمالي ببداياتها ارتباطاً مطلقاً بالبيئة والواقع الذي أعيش فيه، لكن بعد الممارسة الطويلة باتت منحوتاتي تأخذ طابعاً موجهاً نحو الوطن والتاريخ والخيال، ومعظمها منحوت بالصخر والرخام الذي فضلته على غيره من المواد المستخدمة بالنحت؛ كالصلصال والطين والجبصين؛ فالعمل فيها -بنظري- تشكيل وليس نحتاً، أضف إلى أنني لم أتعلم النحت من أحد، ولم أتأثر بأحد، ولست أكاديمياً في عملي، العفوية وحدها هي التي تجعلني أقف بثبات أمام الكتلة».

منحوتة من الحجر باسم "التمسّك بسورية"

"محمد الرفيع" رئيس قسم الزيتي في مركز الفنون التشكيلية التابع لمديرية الثقافة في "حماة"، حدثنا عنه بالقول: «استطاع الفنان "علي فخور" أن يطوّع الصخر بيديه ليحوله إلى تحف فنية تنمّ عن الإبداع والتميز الذي اتصف به، إضافة إلى أنه تعامل مع أقسى مكونات الطبيعة بحسّ رقيق لا يخفى على أحد، فهو يستلهم أعماله النحتية من الأساطير الإغريقية والرومانية القديمة، ويفرد رؤيته الفلسفية ونظرته الخاصة بها، ويربط من خلالها قضايا حياتية وثقافية ملأى بأحاسيس جياشة تتزاحم مع فكر مشبع بواقعيته وتعبيريته التي تجعلنا نبحر في بانوراما من عوالم منحوتاته المتنوعة، مثل: "هيلين"، و"جالاتا"، وأعمال كثيرة تفرد آلام الوطن وقضاياه، إضافة إلى أعمال تحاكي قضايا ثقافية وإبداعية، كما أنه تفوّق على الكثيرين ممن درسوا فن النحت دراسة أكاديمية، وهو لم يدرس إلا إحساسه وعواطفه، وأثبت أن الفنان الحقيقي يتسلح بخبرته التي دأب على تنميتها وإغنائها؛ مؤكداً أن الحسّ الإنساني والشعور المرهف والبحث العميق هو الذي يوصل الفنان إلى ضفاف العطاء الحقيقي والفن الأصيل، إضافة إلى امتلاكه موهبة فريدة استطاع من خلالها أن يثبت حضوراً لافتاً في الساحة التشكيلية السورية».

الجدير بالذكر، أنّ النحّات "علي فخور" شارك بالعديد من المعارض الجماعية، وأقام معرضاً فردياً للنحت على الصخور برعاية جمعية "أصدقاء سلمية" عام 2015، وأقام معرضاً بعنوان: "عاصفة الرخام" عام 2016، ومعرضاً فردياً بعنوان: "الحمام الأثري" عام 2016، وهو من مواليد مدينة "سلمية"، عام 1972.

منحوتة من الرخام باسم "جالاتيا"