في مدينة تلونت بالشِعر، وجد نفسه يمسك بيد القصة القصيرة ليعبر بها إلى رصيف الناس، أحبّ الحياة فأهداها مجموعته "حبّة قمح وحبّة شوك"، ومن خلالها أنسَنَ الطبيعة وجعلها تتكلم ليبعث فيها الحياة مرة أخرى على طريقته.

إنه القاص "حسام عزوز" الذي التقته مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 4 شباط 2014، فحدثنا عن بداياته الأدبية وقال: «بدأت مع القصة بشكل عام مع تعلقي بالأدب والفن الناتجين عن الحياة وصراعاتها الداخلية والخارجية والتفاعل معها، فشكلت القصة القصيرة حالة من حالات الهروب من الشعر وإرهاصاته ومطباته ومهاويه إلى مكان أكثر هدوءاً، ولم يكن لي ما أردت فقد بقيت لعنة الشعر تطاردني في كل ما أكتب، ويظهر ذلك جلياً في اللغة التي أستخدمها، إضافة إلى أن أجواء القصة لم تكن المكان المطلوب، ففيها الكثير من الصخب والأوجاع والتعب».

عملت على أكثر من مجموعة قصصية وهي الآن جاهزة لكنها تأخرت لأسباب تتعلق بالنشر والتوزيع فقط، وهناك رواية أيضاً قيد الإنجاز

يطلق الكثيرون على مدينة "سلمية" اسم "مدينة الشعر"، لكن "عزوز" يصفها بـ "مدينة الفكر"، فيقول: «في مدينتي كل أنواع الفنون الأدبية والفنية من شعر وقصة ورواية ونقد وترجمة ورسم ونحت وغيرها، كما فيها الكثيرون من المفكرين والأدباء، ولو وجدت مدينة للقصة فلن أرحل إليها، فقد اعتدت مدينتي واعتدت جنونها وغبارها».

عمل "عزوز" في بعض نتاجه على أنسنة الطبيعة، فيرفض أن تكون الطبيعة صامتة، ويقول عن ذلك: «الطبيعة أكثر صخباً وتعبيراً عن الحياة مما نعتقد، والأنسنة موجودة منذ القدم في الرّقُم التاريخية والحكايات الشعبية وفي الشعر أيضاً أيام الجاهلية وإلى الآن، فقد تكلمت في مجموعتي مع كل عناصر الطبيعة من أضعفها كالشوك والقمح، إلى أقواها كالريح والشمس، مروراً بالحصان والنمر والنسر».

نلحظ في أسلوب "عزوز" قربه إلى الكاتب "جبران خليل جبران"، وذلك من خلال بعض القصص في مجموعته "حبة قمح حبة شوك"، وعن ذلك قال: «في الحقيقة "جبران خليل جبران" موجود في حياتي الثقافية ومؤلفاته هي أولى قراءاتي، وقد تعلمت منه الكثير في الحياة والحب، ومازلت أقف بدهشة أمام قصيدة المواكب التي يقدس فيها الطبيعة ويجعل فيها كل الخير حتى عند أشرس وأقسى مظاهرها بينما الشر موجود عند الإنسان فقط، ولكنني لا أستطيع الحكم على مدى تشابه أسلوبي بأسلوبه فهذا عمل النقاد».

ويتابع: «النص يفرض بنيته ولغته وحواراته، فهي أدوات يمتلكها الكاتب ويستخدمها حسب حاجته، في مجموعتي احتاجت بعض النصوص إلى أسلوب السرد المباشر وكان حاضراً في بعضها الحوار بشكل مكثف، غير أن بعض القصص كتبتها بلغة معينة ومختلفة عن غيرها من باقي النصوص».

اعتاد الكتّاب أن تكون القصة القصيرة هي المرحلة التمهيدية لكتابة الرواية، وهذا ينقص من القصة القصيرة كجنس قائم بذاته وله مميزاته الخاصة، وعن ذلك يقول "عزوز": «تعاطيت الرواية من البدايات، فهي تحتاج إلى أدوات خاصة مختلفة عن أدوات القاص يجب أن يمتلكها الكاتب، فالقاص له أدواته والروائي له أدواته أيضاً، ربما تشتركان في بعض الأمور لكن هذا لا يعني أنها أرقى درجة أو أعلى مستوى، فكل جنس أدبي له مريدوه ومحبوه، فالقصة تحتاج إلى الإيجاز والتكثيف، وهذا يجعلنا نترك الكثير من المساحة للقارئ كي يصل إلى الغاية المنشودة وبأشكال مختلفة».

على خلاف الشعر فإن القصة تعاني من أنها ليست منبرية، فيكون الكتاب هو الطريقة الأمثل لإيصالها إلى المتلقي، وهذا ما يؤكد عليه "عزوز" ويقول: «الإلقاء موهبة، فيمكن للملقي المتمكن أن يشدّ المتلقين وهو يقرأ صحيفة أو دليل الهاتف، وإلقاء القصة يحتاج إلى أسلوب معين يبعد المتلقي عن الملل، كما هو الشعر تماماً، فالإلقاء السيئ يظلم القصيدة مهما كانت جميلة، لذلك يكون الكتاب هو أفضل طريقة لإيصال المعلومة والفكرة على اختلاف أنواعها».

ثم أضاف: «"القصة القصيرة جداً" نوع من أنواع القصة القصيرة، ولها عناصر يجب توافرها حتى تسمى بهذا الاسم، وهناك عوامل كثيرة لظهورها وولادتها فمن ميزاتها أنها خاطفة على شكل ومضة، وليس لدى متعاطيها مساحة واسعة لبناء شخصية ما أو الخوض في تطور الحدث، وقد أثرت فيها مقتضيات العصر وإمكانية النشر التي توافرت للجميع، فألحق بها ما ليس منها في شيء، فتحتَ اسمها تُنشر الكثير من العظات الدارجة والنكات والطرفات القديمة المعروفة، وهذا ما جعلني أحجم عنها كي لا أشارك في ظلم هذا الفن الجميل والممتع».

عن جديده في القصة قال: «عملت على أكثر من مجموعة قصصية وهي الآن جاهزة لكنها تأخرت لأسباب تتعلق بالنشر والتوزيع فقط، وهناك رواية أيضاً قيد الإنجاز».

يختلف أسلوب طرح القصة عند الكتّاب؛ فبعضهم يعتمد في أسلوبه على إضحاك القارىء وآخر يحاول إيلامه، وفي هذا يقول "عزوز": «ليس الإضحاك من الغايات النهائية للأدب بشكل عام، ولا يقاس بقدر قدرته هذه، وبالنسبة إلي حاولت من خلال مجموعتي القصصية أن أطرح المشكلة وأعرضها على الناس بالطريقة التي رأيتها مناسبة، وتركت الحلول لأصحابها من مفكرين ومنظرين وسياسيين، فما يهمني هو أن أضع يدي على الوجع من خلال مواقف قصصية معينة ربما كانت مضحكة لكنها ليست غايتي بقدر ما هي فكرة أدليت دلوي فيها، فالأفكار يمكن أن تطرح على شكل تعبير انفعالي يحمل الحزن والفرح والضحك والبكاء، أو على شكل محاكمات عقلية أو فكرية نعبر من خلالها عن فهمنا وتعبيرنا للحياة».

القاص "فراس الحركة" قال عنه: «القصة عند "حسام" مربوطة ومشدودة بشروط القص الذي كان بارعاً في إحكامه، فقد حمل السرد الفني للقصة مهمة الوصف، فجاء بجمل سريعة ومقنعة، تؤدي الغرض دون تكلف، والحوار يخدم دائماً فحوى القصة دون أن يغرق كثيراً في اللغة المعجمية، كما أن الحدث يمتد بشكل طبيعي وواضح ومكشوف، ويتفوق في الرمز المحكم فنشعر ونحن نقرأ بأننا محاصرون ضمن نطاق اللغة».

الجدير بالذكر أن "حسام عزوز" يحمل إجازة في اللغة العربية، من مواليد 1970.