ببساطة وعمق فكرته، ودقّة خطوطه، استطاع الفنان "نضال ديب" أن يوظّف موهبته وشغفه في مجال الفنّ عبر رسومات كاريكاتورية تحاكي الظواهر الحياتية في المجتمع، فقدّمها بطريقة بسيطة ومعبّرة تنشر الفكاهة.

«يعدّ الكاريكاتور فنّ المعاناة والإحساس بالآخر، فهو مرآة أفكاري التي أستطيع من خلالها إلقاء الضوء على الظواهر الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمع بطريقة محببة ومعبرة».

يعدّ الكاريكاتور فنّ المعاناة والإحساس بالآخر، فهو مرآة أفكاري التي أستطيع من خلالها إلقاء الضوء على الظواهر الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمع بطريقة محببة ومعبرة

هذا ما بدأ به كلامه لمدونة وطن "eSyria" الفنان "نضال ديب" عندما تواصلت معه بتاريخ 4 حزيران 2017؛ ليحدثنا عن بداياته بالفن، قائلاً: «نشأت وترعرعت بين مدينتي الثقافة والعلم والفن؛ ففي مدينة "السلمية" أبصرت عيناي النور عام 1974؛ وبين حارات مدينة الياسمين "دمشق" قضيت أغلب أيام حياتي، هذا التنوع بين البيئتين أغنى تجربتي، ووسع أفق أفكاري، وباعتبار الفن موهبة تخلق مع الإنسان بالفطرة، فقد بدأت الرسم منذ سنوات طفولتي الأولى، وشاركت في أول معرض فني في مدينة "دمشق" عندما كنت بعمر التاسعة، ففي البداية رسمت الطبيعة، بعدها اتجهت نحو الرسومات الكرتونية؛ وهو ما كوّن لديّ ذاكرة بصرية غنية أضافت إلى رسوماتي الدقة والحرفية، وبالنسبة إلى تجربتي بمجال الكاريكاتور، فقد كانت بمحض المصادفة؛ ففي عام 1995، أقمت معرضاً للرسم، ووضعت فيه خمس لوحات كاريكاتورية بسيطة لأكمل النقص الذي كان موجوداً في إحدى زوايا المعرض، فلاقت اللوحات إعجاب الحضور، وكانت هذه خطوتي الأولى في مجال الرسم الكاريكاتوري، ومن أهم المحطات في حياتي».

رسومات ذات طابع اجتماعي

وتابع "ديب": «الكاريكاتور فنّ إنساني نقي، ومن أكثر الفنون البصرية تأثيراً بالآخرين، باعتباره الفن الذي يعبر عن جوهر الأشياء. أشياء كثيرة جعلتني أفضّله عن غيره من الفنون الأخرى، فهو الفن الذي يلخص ويرصد الحياة الماضية والحاضرة والمستقبلية، ويصحّح المسارات الاجتماعية، ويدين المواقف السياسية الملتوية بطريقة ناقدة وساخرة تشد المتلقي أكثر نحو فهم الفكرة المطروحة بشكل بسيط وجميل، كما أنني أجده فنّ الواقع الملتصق بحياتنا اليومية الذي من خلاله يستطيع الفنان أن يصور كل أوجاع الناس ويحولها إلى ابتسامة، فالحدث المزعج أو المفرح يمكنه أن يتحول إلى لوحة كاريكاتورية يعكسها الفنان برؤيته الخاصة؛ فهو فنّ المأساة الضاحكة التي تشغل حيّزاً من مساحة حياتنا اليومية، ومن خلال رسوماتي أسعى دائماً للوصول إلى تشكيلات فنية تحقق شروط الانسجام والبناء الصحيح للوحة، من حيث بساطة الفكرة المطروحة، ودقة التعبير، وقوة الخطوط، سواء كان موضوع الرسم نقداً، أم يحمل دعابة ساخرة تلامس الواقع؛ لذلك معظم رسوماتي تصب في صلب الواقع السياسي والاجتماعي، وتمس جميع طبقات المجتمع، لكنني أرى أنني أكثر قدرة على التعبير من خلال الرسومات ذات الطابع السياسي، لكون الحالة السياسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بكل ما نحياه ونعانيه في شارعنا السوري في ظل الحرب الكونية على بلدنا "سورية"».

وأضاف الفنان "ديب": «من خلال تجربتي أعدّ فنّ الكاريكاتور من أصعب الفنون البصرية على الإطلاق، لكونه يعتمد الرموز والأشكال البصرية التي تحمل في طياتها رسالة موجهة إلى المجتمع بهدف إيصال فكرة معينة عن واقع اجتماعي معين، أو إيصال الواقع البائس بطريقة فنية محببة وفكاهية، أضف إلى أنه أحد الفنون الأساسية لما له من قدرة على تلخيص قضايا المجتمع في جمل بسيطة تعززها رسوم جذابة تلفت الأنظار بأسلوب نقدي حسب القضية التي يطرحها وتفاعل المجتمع معها، وبرأيي لا يستطيع أي فنان أن يكون مبدعاً في هذا الفن إذا لم يمتلك مقوماته؛ فالفنان التشكيلي يقدم رؤيته الخاصة التي يراها مناسبة في لوحة ربما لا يفهمها الكثيرون، بينما فنان الكاريكاتور يقدم رؤيته بأسلوب بسيط سهل القراءة تجذب عين ونظر كل من يشاهدها، كما أنني في لوحاتي لا أعتمد قواعد معينة، وإنما أرتكز على مبدأ الخيال والبحث الدائم عن التجديد والتطور، وتقديم الصورة بطريقة تتجاوز الطرح التقليدي لها، فبعض لوحاتي فكرتها وليدة اللحظة، لكونها ترتبط بالأحداث الجارية والمتسارعة على كافة الصعد التي فرضت على الفنان جهداً وسعياً متواصلين لمواكبة التطور لتقديم الأفضل والأكثر تميّزاً».

رسومات ذات طابع سياسي

"رامز حاج حسين" المدير الفني لعالم "القمر الصغير"، حدثنا عن أعمال "نضال" بالقول: «تتصف رسوماته بخصوصيتها وقدرتها البصرية على تجسيد الواقع بطريقة لاذعة، فهو يرى التفاصيل بأدقّ مكوناتها، ويقدمها بطريقة فنية مبتكرة عبر لوحات تحمل في طياتها رسالة إنسانية يوصلها عبر خطوطه القوية وألوانه الرصينة البعيدة عن الإبهار الزائف، حيث تترك لذهنية المتلقي تأمل المعنى بهدوء، كل هذا جعل منه فناناً متميزاً يبحث دائماً عن الجديد والقيمة المضافة التي استطاع من خلالها خلق بصمته الخاصة والمتفردة في رسم الهموم الاجتماعية والثقافية والسياسية بطريقة خاصة ميّزته عن غيره من الفنانين».

يذكر أنّ الفنان "نضال ديب" خريج معهد اتصالات سلكية ولا سلكية، عمل في مجال إعداد وتقديم البرامج السياسية والمنوعة، وقدم برنامج "توب كاريكاتير مع الفنانين" على قناة "توب نيوز"، ورسم العديد من القصص المصورة للأطفال "كوميكس"، وصمّم الرسوم المتحركة بتقنية D3، نشرت أعماله في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية والدولية، كـ" أورنينا"، و"قضايا"، و"أسامة"، و"المهندس الرقمي الصغير" في "سورية"، ومجلة "العالم الضاحك" في "هونغ كونغ"، ومجلة "أصوات" في "السعودية"، وفي الصحف المحلية: "البعث"، و"تشرين"، و"الثورة"، وبعض الصحف العربية، وأقام العديد من المعارض الفردية والمشتركة داخل "سورية" وخارجها، ونال العديد من الجوائز.