لم تسمح "بيسالا" للظروف أن تبعدها عن حلمها، فاتخذت قراراً بامتلاك مساحة خاصة بها، متجاوزةً حدود الفن لتجديده ووضع لمساتها الإبداعية على كل عمل.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30 نيسان 2017، "بيسالا شاطر" التي حدثتنا عن مشروعها بالقول: «مثّل الفن منذ نعومة أظافري حالة روحية باعثة للسكون والطمأنينة، سمحت لي بطبع لمساتي على كل مساحة داخلية وخارجية، فلم أترك لوحة أو جرّة أو قارورة إلا وقمت بتجديدها أو تغييرها أو إضافة مادة إليها، وكان دائماً خلف كل لوحة أو عمل أو تجديد، حضور لحالة ذهنية تعطيني الدافع إلى تمثيلها على أرض الواقع كما أرغب، فالنظرة الجمالية متنوعة ومختلفة، ولا بد للأنثى عموماً أن تصبغ على كل شيء وجودها، فكل سيدة في بيتها أو عملها تسعى إلى إضافة حضورها على أدق التفاصيل، وببعض الخبرة في مجال التزيين والديكورات يستطيع أياً كان إضافة طابعه الخاص به لتجديد كل قديم».

يحتاج المجتمع بكثرة إلى مشاريع مشابهة تسمح بتهذيب النفس وتفريغ الطاقات المكبوتة للأطفال، وتمكّنهم من اكتساب المهارات التي يحتاجون إليها لإحداث تأثير في مجتمعاتهم؛ فالأندية والمراكز التعليمية تساعد الأطفال على النمو الجسدي والعقلي السليم في إطار الرعاية السليمة للمواهب

أما عن بداية المشروع، فقالت: «منذ مدة طويلة وأنا أفكر بمرسم خاص بي، وقد حظيت بالكثير من الدعم والتشجيع والرغبة بالمساعدة من قبل أسرتي وأصدقائي وبعض الأشخاص المقربين، لكن لم أتوقع أن يأخذ المشروع منحى مختلفاً لتجديد وإعادة تدوير المواد، إضافة إلى تدريب الأطفال في المرحلة الابتدائية على مادة الرسم، فبعد أن اشتريت غرفتين صغيرتين لأفتتح مرسماً خاصاً بي، وزودتهما بحاجاتي من المواد والأجواء المميزة التي تصبغ شخصيتي بجوّ من الخيال ليصبح هذا المكان يمثلني، ويبدو كرسالة يحتاج إليها أي شخص ليُعرف عن هوية المكان، بدأت تنهال علي الطلبات لصناعة مواد مشابهة بالتي زوّدت بها المرسم، وخصوصاً الطاولات والسجاد و"الفازات" واللوحات المصنوعة بالسيلكون وأجهزة الإضاءة والشمعدانات. ونظراً إلى الإقبال الشديد، بدأت صناعة المزيد من المواد وبيعها، كما تعاقدت مع تاجر "موبيليا" وبدأت بيع بعض المواد عن طريقه، وأحياناً يقوم بعض الزبائن بإحضار صور من شبكة الإنترنت وطلبها، وقد لاقت الفكرة الكثير من النجاح في محيطي، وجذبت الكثيرين من الزبائن غير المتوقعين».

من ابتكاراتها البسيطة

أما عن المواد التي تستخدمها في العمل، فأضافت: «كل مادة صناعية أو طبيعية أو ورقية أو بلاستيكية يمكن إعادة تدويرها وصناعة تحفة فنية منها، بتقنيات بسيطة والقليل من اللمسات الجمالية الخاصة لجعل أي شيء أكثر حداثة وتطوراً، وأنا شخصياً أستخدم الخيش وحبال الكتان بكثرة، وقد صنعت من إطارات السيارات طاولات، ومن "بابور الكاز" القديم جهاز إضاءة، وزينت القوارير بالرمل البحري والصنوبر والخيش، ولوّنت الفخار وزينته بالقصب. أما البراميل الفارغة، فقد قمت بطلائها وقصّها وتزيينها وجعلها أصص للزهر والمزروعات المنزلية، ويمكن صناعة سلال وجرار و"فازات" بقليل من الورق والغراء. ويعدّ "فرد السليكون" اليد اليمنى لي في أي عمل، إضافة إلى المواد اللاصقة كالغراء وألوان الإكرليك».

وعن مشروعها الفني المتعلق بالرسم، قالت: «يستهويني رسم تفاصيل المرأة حيث تتجسد الأنوثة بأبهى صورها وأجمل تعابيرها، وسواء كان ذلك بالألوان الزيتية، أم بأقلام الفحم وحتى الرصاص، فأنا أنظر إلى أي عمل على أنه حالة شعورية قوية تستوجب التجسيد المباشر، ويمكن أن تمثّل كل لوحة رسالة فنية مختلفة من ناحية الألوان والضربات، وقد قمت برسم إحدى لوحاتي كاملة بأحد أغصان الأشجار من دون اللجوء إلى الريشة، فأنا أعشق التجديد واستخدام كل ما هو مختلف».

تحف فنية من البيئة

وأضافت: «مثّلت إعادة تدوير الأشياء فرصة مناسبة لكل أم لكي تعلّم أبناءها الابتكار والتخيل عبر بعض المواد الموجودة في المنزل، حيث يمكنها تزيين المنزل وصناعة الألعاب والإكسسورات وإطارات الصور وصناعة علب هدايا بسيطة، وأقوم أحياناً بإعادة تدوير أبواب قديمة باستخدام عجينة الورق أو الرسم على أبواب الزجاج لاستخدامها كواجهات لـ"الفيلات" من نوع الزجاج المعشق. ولم تمثّل الوظيفة الحكومية حلقة جذب كبير لي؛ لأن رغبتي دوماً العمل المستقل، وقد عملت سابقاً مدة قصيرة في شركة ديكورات داخلية في مدينة "دمشق"».

وتابعت بالقول: «كان دعم زوجي لي حلقة القوة التي بها أتمسّك، فالدعم المادي والمعنوي الذي حظيت به ما زال يدفعني كمنبه داخلي إلى ضرورة المثابرة في العمل، ليكون لي حضور مميز وقوي على الساحة الفنية، كما أنه يشجعني باستمرار على إقامة معرض خاص بي، لأترك بصمتي الفنية تعبر عني بطريقة أفضل، علماً أنه يمارس الرسم أيضاً في أوقات فراغه».

لوحة فنية

الطبيب النفسي "ياسر بازو" المطلع على أعمال "بيسالا"، تحدث عن أهمية هذه المشاريع بالقول: «يحتاج المجتمع بكثرة إلى مشاريع مشابهة تسمح بتهذيب النفس وتفريغ الطاقات المكبوتة للأطفال، وتمكّنهم من اكتساب المهارات التي يحتاجون إليها لإحداث تأثير في مجتمعاتهم؛ فالأندية والمراكز التعليمية تساعد الأطفال على النمو الجسدي والعقلي السليم في إطار الرعاية السليمة للمواهب».

كما تحدث النجار وتاجر الموبيليا "صلاح نمور" عن الأعمال التي تقوم بها "بيسالا"، وعن التعاون بينهما، فقال: «تمتاز بخط فني مختلف، حيث تضع في كثير من الأحيان لمسات تراثية مع روح التجديد على عملها، وجمعت بين الحداثة والأصالة، وقد فاجأني حجم الصبر والدقة التي تمتاز بها في عملها، واستخدامها لمواد متنوعة ومختلفة في آن واحد، وتنوع رؤيتها التي تسمح لها بصنع كل ما هو فريد ومميز؛ وهو ما سمح لنا بكثير من أوجه التعاون في الصناعة والبيع».

بقي أن نذكر، أنّ الفنانة "بيسالا" من قرية "عقارب" منطقة "السلمية"، في محافظة "حماة"، مواليد عام 1977، وخريجة معهد العمل اليدوي.