ما بين الجبال المرتفعة الحادة الانكسار والرياح المستمرة والطبيعة البكر، استقرت مكونات بشرية لعشرات السنين، لتكوّن قرية "فقرو"، حتى حانت لحظة التنامي السكاني؛ فانتشر أبناؤها في "سهل الغاب" مكونين مجتمعاتهم الجديدة ومعلنين الولاء لأمّهم "فقرو".

فريق مدونة وطن "eSyria" الاستكشافي، وخلال مهمته في "سهل الغاب" زار قرية "فقرو" بتاريخ 15 تموز 2015، والتقى ربة المنزل "سمر سعيد"؛ وهي مربية أبقار جبلية، لتحدثنا عن واقع الخدمات، فقالت: «أغلب الخدمات المطلوبة من الجهات الرسمية والواجب توافرها في القرية كقطعة جغرافية أساسية من "سهل الغاب"؛ هي خدمات معدومة، وأهمها من وجهة نظري الخدمات التعليمية المتكاملة التي لا تتعدى مرحلة التعليم الأساسي بحلقته الأولى في القرية، وهذا انعكس على الثقافة العامة لأبنائنا، فمنهم من اضطر للعمل بالجهد العضلي في مختلف المناطق وصولاً إلى "لبنان"، وآخرون وهم الأغلبية هاجروا إلى خارج القرية ضمن منطقة "المسحل" وباقي قرى ومناطق "سهل الغاب" لتحسين واقع أبنائهم التعليمي ومستواهم المعيشي».

طبيعة الغذاء الصحي الطبيعي والمناخ الجيد كان له تأثير إيجابي كبير بالصحة العامة للسكان فقلت الأمراض وكثر عدد المعمرين المقتربين بالعمر من 100 عام وأكثر في بعض الأحيان، كما أنهم تميزوا بحس الفكاهة والمرح

المدرّس "شادي شلهوم" من أبناء وسكان القرية، وعضو لجنة تنمية القرية، قال: «يتميز المناخ في قرية "فقرو" بالطبيعي مئة بالمئة لبعده عن مختلف الملوثات الصناعية وغير الصناعية وحتى الناتجة عن عوادم السيارات، فقلما تجد سيارة تأتي إلى القرية إلا عبر أبنائها عند حاجتهم إليها، فالهواء هنا نقي وصحي، وهذا انعكس على طبيعة المنتجات الزراعية من الفواكه كالتين والعنب، ومنحها نضارة مختلفة عن باقي الإنتاج في المناطق والقرى المجاورة.

جانب من قرية فقرو

القرية ترتفع نحو 900 متر عن سطح البحر، أي إن مناخها بارد صيفاً وشتاءً، ويبلغ عدد السكان نحو 1200 نسمة وفق آخر إحصائية للمقيمين فيها، فالأغلبية نزحوا منذ عشرات السنين إلى "مسحل فقرو"، وهي المنطقة السهلية الزراعية الخصبة، إضافة إلى نزوح العديد من العائلات إلى مختلف مناطق وقرى "سهل الغاب" أيضاً، لذلك يمكن الجزم أن أغلب أصول القرى في السهل هي من جذور "فقرو" أو كما يسمون أنفسهم "فقارنة"، أو "فقاروه" باللهجة المحكية.

نزوحهم كان نتيجة الأوضاع المعيشية والحياتية القاسية في القرية، وتوافر الأراضي الزراعية في "المسحل" للعمل بها وتحسين الحالة الاقتصادية التي تكاد تكون أقرب إلى الصفر، فالقرية تحتاج إلى الكثير من أعمال التنمية المجتمعية والاقتصادية لتعود إلى الحياة بما تحمله من قيم تراثية وأثرية وجمالية طبيعية سكانية بيئية، يمكن توظيفها في الناحية السياحية توظيفاً اقتصادياً مربحاً، ومن أهم عوامل وأسس هذه التنمية توطين الساكنين عبر القروض التنموية التشجيعية، والأفكار التي تعود بالريعية الاقتصادية المناسبة لاستمرار حياتهم هنا؛ كتقنية البيوغاز مثلاً التي يحصلون منها على مادة الغاز المنزلي الذي يؤمن لهم التدفئة في الشتاء، وقروض بناء خزانات مياه تساعدهم في تحسين الواقع الزراعي البسيط الضعيف».

فريق مدونة وطن eSyria يستكشف نبع عين الكلَب

"محمد ناجي سلوم" من أبناء وسكان القرية، قال: «الوضع المعيشي الصعب كان خلف الهجرة السابقة والدائمة من القرية، فالقرية تبعد نحو تسعة كيلومترات عن "مسحل فقرو" الذي يعد مصدر التموين العائلي وسوق تصريف الحليب، لكن تكاليف النقل كبيرة وتخضع لمزاجية السائقين، وقد تصل تكاليف هذا النقل إلى 1200 ليرة سورية في سيارة النقل الخاصة لعدم وجود وسائط النقل العامة».

ويضيف: «لا نعتمد كثيراً في حياتنا المعيشية على الزراعة، نتيجة ضعف خصوبة التربة وعدم توافر المياه، حتى إن القمح المحصول الرئيس لدينا لا ينتج كثيراً، وأحياناً تكون تكاليف إنتاجه أكبر من مردوديته الاقتصادية، فنضطر إلى إطعامه للمواشي كما هو من دون عملية الدرس».

فقرو ضمن الدوائر الحمراء بحسب كوكل إرث

مربي الأبقار "حسين الكامل" الذي يعاني بحسب حديثه من ضعف تصريف الحليب، قال: «القروض التنموية هي الحل بالنسبة لأبناء القرية، إضافة إلى تأمين تصريف حليب البقر الجبلي الذي يعد صيدلية دوائية متكاملة لاعتماد الأبقار على الرعي الطبيعي من مكونات الطبيعة، وبأسعار مناسبة لقيمته ومنافسة للحليب العادي، أي فتح أسواق تصريف خاصة له في مختلف المحافظات».

ويتابع: «بعض أهالي القرية يعتمدون على تربية قطعان الماعز الجبلي، لكن بأعداد بسيطة مقارنة مع الفترات السابقة ما قبل الأزمة، حيث لم يبقَ في القرية من يستطيع القيام بعملية الرعي لها، فهي تختلف عن البقر الجبلي بهذا الأمر».

"حارث محمود" شاب من أبناء القرية أكد أن طبيعة القرية بمختلف مكوناتها البيئية والطبيعية والتراثية انعكست إيجاباً على السكان، وهنا قال: «طبيعة الغذاء الصحي الطبيعي والمناخ الجيد كان له تأثير إيجابي كبير بالصحة العامة للسكان فقلت الأمراض وكثر عدد المعمرين المقتربين بالعمر من 100 عام وأكثر في بعض الأحيان، كما أنهم تميزوا بحس الفكاهة والمرح».

وبالعود إلى حديث المدرّس "شادي شلهوم" قال خلاله: «يعتمد أهالي القرية على العمل بالجهد العضلي ابتداءً من الطفل القادر على العمل وحتى الكهل، لتأمين قوت اليوم، على الرغم من أن القرية موغلة في القدم، وقد تعود إلى مئات السنين، ويمكن استثمارها في المجال السياحي والتنموي بوجه كبير وناجح، وأولها استثمار طاقة الرياح القوية الدائمة على الرغم من موقع القرية بين الجبال المرتفعة جداً والحادة الانكسار من جهتها».

ويتابع: «"فقرو" كلمة آرامية وتحديداً الآرامية الغربية التي تعتمد في لفظها للكلمات على ضمّ آخر حرف من كل كلمة، ويمكن أن يكون معناها كما معنى فَقَرَ الصمد الخاص بالحراثة؛ أي أحدثت فيه فتحات التثبيت، ومن هنا يمكن أن يكون معنى اسم القرية الفسحة ما بين الجبال المرتفعة، ويمكن أن تكون من انبجاس المياه من بين الصخور، حيث يمكن أن يصل عدد الينابيع في الربيع والصيف إلى حوالي عشرين نبعاً، ومنها ما هو دائم الجريان كنبع "عين منعه" ونبع "عين الكلَب".

ومن الشخصيات السورية المشهورة التي انطلقت من هذه البيئة الفقراوية، الشعار "أسد فقرو" صاحب الكلمة الشعرية الطربية الجميلة، وحفيده المطرب "فؤاد غازي"».