قرية جبلية صخرية، تعانق السماء، وتطل على سهل الغاب، تقع شمال غرب "مصياف"، ويصل ارتفاع أعلى قمة فيها إلى 1200م في موقع "الشيخ حسن"، وارتفاع أقل بيت من بيوتها 950م.

هي قرية "الحيلونة" التي زارتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 23 تشرين الأول 2014، والتقت من أهلها المعمر "حسن الإبراهيم"، ولدى سؤاله عن تاريخ قريته أجابنا قائلاً: «يعود تأسيسها إلى عهد الرومان، بيوتها من الحجر الضخم أو من التراب المدعَّم بالخشب، شوارعها ضيقة وتقع أغلب بيوتها على سفح الجبل، وقد استخدم سكانها قديماً طرائق غير تقليدية للتدفئة، ففي شهري كانون (الملقبة شعبياً "الزميتة" أي الثلج النازل من الجروف) كانوا يحفرون حفرة في أرض البيت تسمى "دفيّة"؛ ويضرمون النار فيها لتدفئة منازلهم في أيام البرد القارس، قبل أن ينتقلوا لاستخدام مدافئ الحطب أو المازوت».

يعود تأسيسها إلى عهد الرومان، بيوتها من الحجر الضخم أو من التراب المدعَّم بالخشب، شوارعها ضيقة وتقع أغلب بيوتها على سفح الجبل، وقد استخدم سكانها قديماً طرائق غير تقليدية للتدفئة، ففي شهري كانون (الملقبة شعبياً "الزميتة" أي الثلج النازل من الجروف) كانوا يحفرون حفرة في أرض البيت تسمى "دفيّة"؛ ويضرمون النار فيها لتدفئة منازلهم في أيام البرد القارس، قبل أن ينتقلوا لاستخدام مدافئ الحطب أو المازوت

ومن أهالي القرية التقينا "نصر محمد حسن"؛ الذي حدثنا "عن ثلوج "الحيلونة" قائلاً: «كانت الطرقات تنقطع لفترات طويلة؛ ما يضطرنا لإيجاد حلول من البيئة المحيطة، فكنا نستخدم الثلوج كمدارج حتى نصعد إلى السطح، إذ كانت الثلوج تغطي أبواب البيوت، وحتى في الصيف يبقى الجو بارداً؛ فتبقى الثياب الشتوية قيد الاستخدام طوال العام، وهذا ما يميز مناخها عن باقي القرى فهي باردةٌ شتاءً؛ لكنها ممتعة صيفاً.

البيوت القديمة المحفورة في الصخر

وقد اعتمد السكان هنا على طرائق مبتكرة لمواجهة ظروف الحياة، فحفروا مخازن أرضية لتجميع مياه الأمطار واستخدامها حين الحاجة للشرب والتنظيف، وحين تنضب صيفاً كانوا يقطعون مسافات طويلة عبر الجبال الوعرة للحصول على مياه الينابيع، مستخدمين "الراويات"؛ وهي أوعية مصنوعة من الجلد؛ يتم تحميلها على ظهر الدواب.

أما العائلات فهي معروفة بتكاتفها الاجتماعي ومحبتها لبعضها بعضاً، فقد كان الناس سابقاً يتبادلون المحاصيل فيما بينهم ويتشاركون الأحزان والأفراح، وترافقهم القصبة للعزف في أعراسهم على صوت أحد المطربين القرويين، وهم يعيشون ضمن مجتمع ثقافي اجتماعي يتوجه خاصة نحو العلم، ما خلق حالة من الوعي؛ كللها عدد المتفوقين وخريجي الجامعات، وتعد عائلات "عتبا، هولا، صقور، خلوف وسليمان" من أولى العائلات المؤسسة للقرية، ولدى أهل المنطقة هنا ميزة أظنها فريدة؛ فهم متعلقون بقريتهم إلى حد كبير؛ لا يتركونها إلا لطلب العلم أو العمل المؤقت، فمن يسكن في "الحيلونة" ويتنفس هواءها يحب مناخها، ولا يستطيع العيش بعيداً عنها».

حسن الإبراهيم

وفي لقاء مع رئيس بلدية القرية؛ السيد "محمد خلوف"؛ أجاب عن سؤالنا عن مصدر تسمية "الحيلونة" قائلاً: «تشير الأبحاث أنها كلمة سريانية تعني القوة والبأس، وقد اقترنت بهذه البقعة الجغرافية نظراً لطبيعتها القاسية وصعوبة العيش فيها، وما يميز القرية عن غيرها من القرى هو تكاتف أهلها، فجميع الطرقات التي شقت فيها كانت بمساعدة الأهالي؛ أي بالعمل الشعبي، الذين تحملوا جميع النفقات المترتبة على شق الطريق الذي يصل "الحيلونة" بقرية "اللقبة"، فتنازلوا مجاناً عن قسم من أراضيهم، وقد سهل هذا الطريق الوصول إلى الأراضي الزراعية، فهو يمتد عبر سلاسل جبلية خضراء ساحرة، وعند ارتياده نشاهد اللوحة الفريدة التي ترسمها الطبيعة من أشجار بلوط وسنديان بألوان مختلفة وتضاريس جبلية متناغمة من جبال ووديان، فللقرية موقع استراتيجي وسياحي مهم، وهي تمتلك شبكة طرق ومواصلات مهمة، فطريق يصلها بكل من "مصياف، الزينة، حيالين"، وطريق ثان يصل إلى "اللقبة" و"الغاب"، وآخر إلى قرية "حداده" غرباً، وطريق ترابي -حتى الآن- باتجاه الساحل شمالي القرية».

ولدى سؤالنا عن القرى المحيطة بها أضاف "خلوف": «هي آخر قرية في محافظة "حماة" من الجهة الغربية، تحدها من الشرق قريتا "ديرماما" و"اللقبة"، ومن الغرب قرى "الطواحين، الحاطرية، حداده"، ومن الشمال "طير جبة"، ومن الجنوب "حيالين"، ويبلغ عدد سكانها 3900 نسمة، معظمهم يعملون في الزراعة.

صورة جوية

وقد اشتهرت القرية بزراعة الثوم على مستوى "سورية"، وحديثاً زراعة الكرز التي دخلت مؤخراً إلى القرية ونجحت نجاحاً مبهراً لملاءمة المناخ لزراعة الكرز، وتتم زراعة الإجاص و"المراب" وهو نوع من الإجاص. كما تحتل تربية المواشي حيزاً مهماً في عمل الأهالي، فتربية الماعز منحت القرية شهرةً على مستوى المنطقة بإنتاج "الشنكليش" والزبدة.

كما يعمل بعض الأهالي في المهن اليدوية كصناعة الأطباق من القش الطبيعي والصناعي، وتدوير الحصر المستهلكة وتحويلها لأطباق وسلات.

ويوجد في أعلى منطقة في "الحيلونة" "رامة" قديمة، وهي مكان لتجميع مياه الأمطار؛ محاطة بأراض وأشجار رسم الزمن تضاريسها، كما تجاورها غابة تصدر منها أصوات الكثير من الحيوانات البرية، وتبعد عن القرية 3كم، ولا تجف صيفاً وتشرب منها جميع الحيوانات».

أما عن الخدمات المتوافرة في القرية فيكمل "خلوف": «في عام 1998 تم مد شبكة مياه وفتح بئر بعمق 372م وتصريفها 70م3، وهي حالياً تسقي سكان القرية، وتعد من أغزر الآبار في منطقة "مصياف"، وينفذ حالياً مشروع للصرف صحي، والقرية مبنية على كنز طبيعي يتمثل بالرخام، وقد تم استثماره مؤخراً؛ فأنشئ مقلع للرخام يعمل فيه أهل القرية، ويعتمد طريقة حديثة للاستخراج والنشر، وهو ما لا يسبب ضرراً بالمزروعات والأراضي المجاورة.

وتمتلك القرية 3 صالات للمناسبات الاجتماعية، واحدة للعزاء "مبرة"، وأخرى للأفراح وثالثة للأعمال الخيرية، ويتم تمويل كل ما يلزم من صندوق التعاون العائد للجمعية الخيرية المسجلة قانونياً، ولديها مركز نظامي وممول من قبل أهالي القرية حسب إمكانياتهم، ويوجد في القرية مدرستان تم بناؤهما في الخمسينيات؛ واحدة ابتدائية، وأخرى إعدادية.

إلا أن القرية لا تزال بحاجة للاهتمام، فهي قرية سياحية زراعية أثرية، ففيها موقع "حبيان" الذي يحوي عين ماء، ويوجد ضمنه العديد من المقابر المنحوتة ضمن الصخر، التي تحولت بفعل الإهمال مستوعبات ملأى بالمياه التي تأتي إليها من الفوالق والسراديب، كما تتواجد مواقع أثرية أخرى؛ منها: "رغيل، بداما، جلالين، وحيلون"، وهي مبنية من الحجر وبقطوع كبيرة تدل على أن الإنسان عاش فيها منذ آلاف السنين، وتنتشر آثارها اليوم في الشوارع، إذ يصطحبها الفلاحون معهم حين يجدونها أثناء حراثة أراضيهم وحفرها».

يذكر أن، "الحيلونة" تبعد عن "مصياف" 12كم، وعن "حماة" 57كم.