في ثمانينيات القرن العشرين اهتم مزارعو "سلمية" والمناطق التابعة لها بزراعة "الفستق الحلبي" والذي انتشر كالنار في الهشيم، وبات "موضة" في تلك الفترة من الزمن، ولكن الملل تسرب إلى نفوس من زرع، لتحل مكانها شجرة الزيتون المباركة. البعض من المزارعين قلع، وبدّل الفستق بالزيتون، والبعض الآخر وجد نفسه في تحدٍ مع الزمن، ولكن الألم يعتصره. فزارع الزيتون يجني، وزارع الفستق ينتظر. ولكن ما الذي تغير منذ سنتين؟

موقع eSyria حضر يوم الأربعاء 5 آب 2009 يوماً حقلياً حول شجرة "الفستق الحلبي" في المنطقة، والذي أقيم في بستان المزارع "أحمد علي هلال" من قرية "أم العمد" التي تقع إلى الجنوب من سلمية بحدود 10 كم.

إن وجود الإصابات الحشرية والفطرية وهي: حشرة "بق الأزهار" يليها "دبور ثمار الفستق الحلبي" بالإضافة إلى حشرة "البسيلا"

  • ما حكاية المزارع "أحمد علي هلال" مع مؤسسة "الآغا خان"؟ سؤال أجاب عنه فقال: «زرعت الفستق الحلبي منذ ثلاثين سنة مضت أي في عام 1980 على مساحة 36 دونماً، و15 دونماً في مكان آخر، وأعرف جيداً أن الفستق بحاجة لعناية طويلة، وأن مردود إنتاجه يحتاج إلى صبر، ومع هذا لم أصل إلى نتيجة تذكر، خاصة وكنت أرى جيراني يقلعون شجر الفستق ويزرعون بدلاً عنه الزيتون، في الفترة الأخيرة علمت أن مؤسسة "الآغا خان" اتخذت حقلاً من الفستق الحلبي عند المزارع "محمود عابد جبر" وصرت أداوم هناك وأنقل ما يقدمونه من نصائح، وتطبيقات عملية مثل مواعيد الرش، أنواع الإصابات، كيفية العناية النموذجية بالشجرة لأطبقها على حقلي، وجاءت النتائج ممتازة لم أكن أتوقعها، وتبين لي الفارق بين العمل الارتجالي، والعمل المنظم والممنهج بطريقة علمية دقيقة».
  • المهندس "جهاد المحمد"

    ولأنه كان موظفاً فقد تخلى عن وظيفته ليتفرغ للعمل الزراعي، ولكن ماذا تعلم من حقل جاره؟ يقول: «هناك الكثير من الأمور التطبيقية لم أكن أعلمها، فتعلمت الطريقة المثالية لرش الأشجار بالمبيدات الحشرية، وأن موعد رش المبيدات يبدأ في السادس من أيار من كل عام وتسمى "رشة تثبيت الحمل"، وينتهي مع نهاية الموسم طالما يوجد بعض الحشرات التي من شأنها أن تؤذي أشجار الفستق الحلبي، الأمر الآخر تعلمت ماذا يعني مراقبة الحقل، وهذا ما جعلني أقسم عملي اليومي إلى فترتين صباحية ومسائية، وهذا استمر طوال السنتين الماضيتين، وما لمسته من نتائج جيدة أكد لي صوابية الزراعة التي تعتمد على العلم».

    المهندس "هاشم الجندي" مدير زراعة "سلمية" يقول: «إن تبني المزارع لما أعطي من تعليمات أمر في غاية الأهمية، ومتى أصبح هذا التبني جزءاً من سلوكه الإنتاجي في التعامل مع حقله، نكون قد وصلنا إلى نتائج سليمة في عملية إرشادنا الزراعي».

    تكريم المزارع "أحمد هلال"

    ثم التقينا المهندس "جهاد المحمد" رئيس دائرة الوقاية في مكتب الفستق الحلبي في محافظة "حماة"، والذي تحدث عن أهم المشاكل التي تواجه زراعة الفستق الحلبي في "سلمية" فقال: «إن وجود الإصابات الحشرية والفطرية وهي: حشرة "بق الأزهار" يليها "دبور ثمار الفستق الحلبي" بالإضافة إلى حشرة "البسيلا"».

    ويضيف: «لهذه الأسباب، ولتأخر إنتاج الفستق الحلبي وضعت هذه الشجرة على مقص الحاجة، إلى أن أشيرَ لهذه العمليات الاغتيالية لشجرة الفستق من قبل مؤسسة "الآغا خان"، وأشيرَ إلى وجود مشكلة ويجب وضع الحلول المناسبة، وهذا ما كان بالفعل من خلال الجولات الأسبوعية التي قمنا بها بواقع جولتين أسبوعياً، أقمنا خلالها دورات للفنيين للتعريف بهذه المشاكل، والآفات، إضافة إلى تقديم الخدمات».

    شرح حول نجاعة مشروع الفستق الحلبي

    ثم التقينا المزارع "محمود عابد جبر" من قرية "أم العمد" وعمره 60 سنة، وقدم لمحة عن تعاونه مع مؤسسة الآغا خان في تحسين إنتاجية حقله، فقال: «ببساطة إن تكلفة الكيلو الواحد من الزيتون وصل إلى 12 ليرة سورية، بينما كانت تكلفة الكيلو الواحد من الفستق الحلبي لم تتجاوز الـليرتين السوريتين، ولمؤسسة "الآغا خان" الفضل في توجيهنا ورعايتنا بتقديم كل الدعم التقني لإنجاح هذه الزراعة في منطقة "سلمية" فقدموا لنا الأدوية، وطريقة رش المبيدات، وسقايتها بمعدل برميلين للشجرة الواحدة في كل سقاية، وكنا قبلها قد غسلنا الأشجار».

    وعن النصائح التي يوجهها لمن يفكر بقلع شجر الفستق الحلبي، قال: «أنصح المزارعين الشباب بشجرة الفستق الحلبي لأن تكلفة زراعتها أقل وذات مردود أكبر، وتوصلت إلى حقيقة مفادها أن شجرة الفستق الحلبي كالطفل الرضيع بحاجة لعناية ورعاية كبيرة، وكلما اعتنى الوالد بتربية ولده بشكل جيد، فإنه يصبح أكثر صلاحاً وفائدة، وهكذا هي شجرة الفستق الحلبي».

    ثم التقينا المهندس "ياسر موسى" مسؤول مشروع الأنشطة الزراعية في برنامج التنمية الريفية في مؤسسة الآغا خان، والذي تحدث عن الهدف من وقف قلع أشجار الفستق الحلبي واستبدالها بالزيتون، فقال: «انطلاقاً من أهمية هذه الشجرة وحرصاً على المحافظة عليها ورغبة من برنامج التنمية بتحسين هذه الحقول وجعلها أكثر إنتاجية وذات جدوى اقتصادية، فقد تم التدخل للنهوض بهذه الشجرة وإنقاذ بعض الحقول المهددة لتكون داعماً اقتصادياً لدخل الأسرة».

    وأضاف: «من خلال الشراكة التي تنظمها مؤسسة الآغا خان مع مكتب الفستق الحلبي وزراعة "سلمية" ومديرية الزراعة في "حماة"، فإن الهدف هو وقف عملية قلع هذه الأشجار في المنطقة وتحويل الحقول إلى حقول منتجة، وذات جدوى اقتصادية».

    الجدير ذكره أن الجميع اتفقوا على أهمية الفستق الحلبي من الناحية الاقتصادية خاصة وأن هذه الثمرة تنشط صناعة الحلويات في سورية، كما أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الزيتون، وقد وصل عدد الأشجار في منطقة "سلمية" إلى /209 آلاف شجرة/ معظمها دخل طور الإنتاج لكون زراعتها تمت قبل ثلاثين عاماً مضت.