لم تنل الأحداث التي مرت بها محافظته دير الزور من عزيمته في متابعة نشاطه الفني سواء على الصعيد الشخصي عبر مرسمه المنزلي ومنحوتاته، أو بمشاركاته في الفعاليات والمهرجانات العامة.

45 عاماً من العطاء قضاها الفنان التشكيلي والنحات "فاتح أبو جديع"، لم يُغادر مدينته التي عاشت حصار الإرهاب سنواتٍ ثلاث بل حوّل ألم الجوع نبضاً من حياة تعشقُ جمال الفرات بمياهه التي تخترق خضرة الأرض مُبشراً بغدٍ أبهى.

عن بداياته في مشوار التشكيل والنحت تحدث "أبو جديع" لـ"eSyria" قائلاً : "تعود بداياتي الفنية لفترة دراستي الثانوية، كنت أشارك بالمعارض المدرسية التي كانت تُقام نهاية العام، يعود الفضل آنذاك لأول وأقدم مدرسة بدير الزور "ثانوية الفرات" ولأساتذتي في مادة الرسم الذين كانوا يشجعون من يرونه مُجيداً للرسم، لا أنسى تشجيع ورعاية هؤلاء الكبار ومنهم الفنانان الراحلان "عبد الجبار ناصيف" و"خالد الفراتي"، والمبدع أطال الله بعمره الفنان "وليد الشاهر"، أستطيع القول: إنهم من زرعوا فيّ بذرة الفن التشكيلي وسقوها برعاية الأب الحنون، أولى لوحاتي كانت في معرض للصف العاشر الثانوي عن منظر الغروب، جسدت فيها غروب الشمس بدير الزور حيث مياه الفرات تجري بهدوء وجسرها المُعلق يبسط يديه على ضفتيه في عناق جغرافية المكان والفراتيين، مرسم الثانوية جزءٌ لا يُمحى من ذاكرتي يمدني بالعزيمة والإصرار على المزيد من إتقان فني".

من أعمال الفنان فاتح أبو جديع

وأضاف: "مع دراستي في جامعة حلب تعززت موهبتي أكثر، فترة دراستي بالمعهد الهندسي أتاحت لي أن ألتقي بفنانين كبار، أن أتابع معارض لفنانين من النخبة، تعرفت على الفنان "سعد غنايمة" في مرسمه الخاص، كما تعرفت على "سعد يكن" وغيرهم الكثير من الفنانين الذين أثروا الساحة الفنية التشكيلية والنحتية بنتاجاتهم".

الفن عند "أبو جديع" هو إعادة اكتشاف المألوف.. صياغة الإنسان فيقول :"هو موقف حياتي ثقافي اجتماعي سياسي، جمالي ... الخ، فعبر اللوحة أو المنحوتة أنت تقول شيئاً عن داخلك وعن المحيط بتفاصيله كافة بالشكل الموحي وبمختلف قضايا وهموم الإنسان وحتى الطبيعة، أثّرت فيّ أعمال لقامات من الفنانين الكبار سورياً وعربياً وعالمياً، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر "يوسف عبدلكي " و"خزيمة علوان" بالتشكيل، فيما كان لأعمال النحت حضورها في نفسي بشكل كبير كأعمال الفنان السوري "عبد الرحمن المؤقت" والعراقي "جواد سليم" والمصري"آدم حُنين"، وعالمياً "هنري مور"، وذلك لإتقانهم المُلفت في طريقة تعاملهم مع الكتلة النحتية والفراغ ومعالجة السطوح للعمل الفني".

عمل آخر للفنان فاتح

عن مشاركاته يُشير الفنان "أبو جديع": "كان المعرض الأول خارج دير الزور في مركز غسان كنفاني بدمشق عقب اجتياح بيروت عام 1983 وفي معارض المركز الثقافي العربي بدير الزور، إضافة لمشاركاتي في المعارض السنوية التي يقيمها اتحاد الفنانين التشكيليين كما في دمشق وحلب واللاذقية وحمص وسواها الكثير، ومن نُصب النحت في مدينتي توضعت في الدوارات الرئيسية عمل بعنوان "لا ترحلوا" جسد صمود أهالي دير الزور وتشبثهم بمدينتهم رغم الهجمة الإرهابية ومعاناة الحصار عام 2016، وعمل آخر عن بطولات الجيش السوري الذي قاوم ظلام الإرهاب حتى التحرير، كما نفذت الزخرفة الداخلية لمسجد أنس بن مالك واستغرق العمل فيها مدة عامين ونصف العام".

الفنان والخطاط "خليل عبد اللطيف" تحدث لـ"eSyria"عن أعمال "أبو جديع" فقال: تتحدث وهي صماء، تبدو فيها حرفية اللون وانزياحاته في تشكيل أخاذ يأخذك في رحلة من خيال، فيها ترى ماضي الفراتيين بعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، وفيها المعاصرة بحكاياها المختلفة، وقد احتلت الطبيعة واسطة العقد في حضور فني مميز، أما منحوتاته فترقى لجاذبية حضور حي أنطق الحجارة الصماء في الحزن والفرح ".

المصور الضوئي جمعة سليمان.jpg

فيما يلفت الفنان الضوئي "جمعة سليمان" إلى تميز "أبو جديع" قائلاً: "بكلتا عينيه التشكيلية والنحتية حجز فناننا حضوره في خارطة الفن التشكيلي والنحتي على مستوى سورية، بل والمستوى العربي والأهم أن روحه الشابة رغم دخوله عامه الثالث والستين تُخبرك أنه لا يزال لديه الكثير رغم الصعوبات المعيشية وعوائق ممارسة الفن الذي عشقه منذ بدايات وعيه، لعل فناننا يدفع ثمن جغرافية الأطراف، أغلب من يبحث عن الشهرة يقصد العاصمة حيث مناخات الفن أوسع، تكون حينها قريباً من الضوء الذي تحتاجه الأنا الفنية وهي أمر طبيعي، فناننا استخدم مختلف المواد في أعماله كالمائي والأحبار والغواش والرسم بالقلم الصيني فكان فيها صائغ التحف الحية بتشكلاتها الحياتية كافة".

الفنان "فاتح أبو جديع" مواليد دير الزور العام 1958، خريج المعهد الهندسي بجامعة حلب ويشغل عضوية فرع اتحاد الفن التشكيلي بالمحافظة واتحاد التشكيليين العرب، هذا وقد جاوزت أعماله 100 عمل والكثير من الأعمال.