احتلت "ماري" مكانة الصدارة بين مملكات الشرق منذ حوالي 2900 عام قبل الميلاد، وكان للمرأة مكان بازر فيها، فملكتها الحلبية أمسكت زمام أمور بلادها في كثير من الأحيان.

مدونة وطن "eSyria" التقت الخبير الآثاري "ياسر شوحان" بتاريخ 2 كانون الأول 2013 الذي تحدث عن مكانة المرأة في ممكلة "ماري" وقال: «احتلت المرأة في المشرق القديم مكانة مهمة ومرموقة، ولوحظ في نصوص "ماري" الملكية أن المرأة جزء أساسي وفعال من ذلك الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومنبع لعادات وتقاليد اجتماعية ماتزال مستمرة إلى وقتنا الحالي، كما أطلعتنا النصوص على معلومات كثيرة يمكن من خلالها استنباط مكانة المرأة والعلاقة التي كانت تربطها مع الأسرة والمجتمع وما احتلته من مكانة في ذلك العصر».

احتلت المرأة في المشرق القديم مكانة مهمة ومرموقة، ولوحظ في نصوص "ماري" الملكية أن المرأة جزء أساسي وفعال من ذلك الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومنبع لعادات وتقاليد اجتماعية ماتزال مستمرة إلى وقتنا الحالي، كما أطلعتنا النصوص على معلومات كثيرة يمكن من خلالها استنباط مكانة المرأة والعلاقة التي كانت تربطها مع الأسرة والمجتمع وما احتلته من مكانة في ذلك العصر

وأضاف: «في مملكة "ماري" كان كل شيء منظماً وثميناً وغنياً، وقد بلغ الرفاه أقصاه في تلك الحقبة من عهد "زمري ليم" الذي سيطر على أكثر ممالك "الفرات" و"الخابور العليا" ودانت لـه بالصداقة ممالك "أوغاريت وإيبلا ويمحاض"، ولقد قدمت "حلب" لـ"زمري ليم" أثمن هدية يمكن أن يحلم بها إنسان، وهي "شيبتو" ابنة الملك "يا ريم ليم" فكانت آخر زوجاته ومليكة قلبه وعرشه وأمّاً لبعض بناته الثلاث عشرة اللواتي توزعن في الممالك القريبة والبعيدة كزوجات وسفيرات للمملكة، فيؤمن التبادل الاقتصادي والحضاري ويرسخ الاتجاه الديني والسياسي ويبقين على صلة قوية بالمملكة الأم».

إحدى اللوحات الجدارية المكتشفة في ماري

وتابع "شوحان": «تزوجت "شيبتو" من "زمري ليم" المنحدر من سلالة "يعدون ليم" عام 1770ق.م بعد ثلاث سنوات من حكمه وكانت الزوجة الثالثة التي استطاعت بلطفها وكياستها أن تحول هذا الزواج السياسي إلى عاطفة جياشة، وإلى تفاهم مطلق حيث سلمها الملك زمام الأمور في غيابه أو أثناء حضوره، كما قامت بمهام دائمة في داخل القصر وخارجه، فتلك المرأة الحلبية خلّدها التاريخ وقادت "ماري" في غياب زوجها أثناء غزواته، كما أدارت القصر الملكي وشؤون العاملات والكاهنات بشكل مذهل، بل كان الملك يسلمها زمام الأمور كلما غاب عن المملكة في حرب أو تفقد».

وأشار الباحث والمهتم بالآثار السيد "محمد عواد" إلى أن الرقم الأثرية المكتشفة في "ماري" دلت على أن الملكة الحلبية الأصل أشرفت على النظام الصحي في المملكة متعاونة مع الملك والأطباء، فأُبعدت العاملات المريضات وحُجرتهن خوفاً من أن تنقل وباءً تبعاً للقوانين الملكية، ولقد كانت "شيبتو" على صلة دائمة بأهلها في بلدها الأصلي بـ"العنب والفستق والزيتون"، دون أن تتقاعس لحظة واحدة عن اتباع النظام الإداري الصارم الشهري الذي يسود مملكة "ماري"، وفي الليل كانت تجلس إلى جانب الملك وتفرز لـه البريد القادم من الممالك المجاورة وتقرأ لـه بريد بناته اللواتي زوّجهن إلى الملوك والأمراء وبريد أخواته اللواتي كن ملكات وكاهنات، وسفيرات وتاجرات.

وأضاف "عواد": «مفهوم جناح نساء قصر "زمري ليم" ملك "ماري" ليس تشريعاً لعزل المرأة عن المجتمع بقدر ما هو تنظيم للمكان وضبط محكوم بقواعد للمجتمع النسائي، فالملكة اختلطت بالناس وشهدت إحصاء الجنود وأصحاب المهن اليدوية والقادمين والراحلين والعاملات والنساجات والنقاشين والكتبة، وقررت أن تهتم بنساء بلدها، كما ساهمت في الإشراف على تنظيم أسماء العاملات العازبات والمتزوجات والأرامل التي دونت كلاً منها على رقم منفصلة حيث كان لكل عاملة وعامل سجل مدني واقتصادي خاص به، كما أشرفت بنفسها على ما يمكن أن ندعوه رياض أطفال العاملات حيث كان الأطفال الأكبر سناً يهتمون بالأطفال الصغار، وكانت الملكة تأمر أن تتفقد كلُّ أم أولادها كل ساعتين أثناء عملها».

أوضح الأثاري "رامز علوان" أن الملكة الحلبية أبعدت عن قلب زوجها سائر النساء وكانت تشاركه المآدب والحكم والشورى وقال: «كانت تتناول معه الحلوى المحشوّة باللوز، واهتمت بالمطابخ الملكية، فعلى ما يبدو كان "زمري ليم" من أشهر الذواقين في التاريخ، فكانت "شيبتو" تشرف بنفسها على إعداد الخبز والمعجنات المنقوشة داخل القوالب (هذه القوالب متواجد بعضها في متحف دمشق)، كما كانت تشرف على إعداد الأطعمة المطهوة بالزيت، وكانت مملكة "يمحاض" ترسل جرار زيت الزيتون إلى "ماري" والملكة تشرف بنفسها على توزيع حصص الزيت على العاملين داخل القصر وخارجه».

  • الصورة الرئيسية من مكتشفات ماري الأثرية التي عرضت في المؤتمر الدولي للآثار 2010.