اشتهرت مدينة "ماري" الأثرية بفن التطعيم للتماثيل، من خلال العثور على العديد من اللوحات التي نفذت مشاهدها بالتطعيم بالأحجار النادرة الملونة، ويعتبر هذا النوع من الأعمال هو الأكثر أصالة في هذه المدينة.

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 27/5/2013 الآثاري "عمار كمور" الذي تحدث عن فن التطعيم في "ماري" بالقول: «تعتبر "ماري" إحدى ممالك الحضارات السورية التي ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد، وازدهر فيها "التطعيم"، حيث استخدم في تنفيذه الصدف والعاج على خلفية من القار أو أحجار أخرى مختلفة بشكل يظهر التباين بين المشهد والخلفية المنفذ عليها هذا المشهد، ولقد استوردت المواد من مناطق بعيدة، فأحضر العاج والصدف من الخليج العربي واللازورد من أفغانستان مما يدل على علاقة تجارية بعيدة المدى بين ماري وهذه المناطق».

يتم تطعيم المشاهد والتماثيل في المناطق الهامة كالعيون والحواجب وما بين الأطراف أو القوائم وأحيط المشهد كله بإطار من الخشب أحياناً، ووجدت مئات الأجزاء من هذه اللوحات المطعمة، في المعابد وأعيد ترميمها بمهارة كبيرة

أضاف: «يتم تطعيم المشاهد والتماثيل في المناطق الهامة كالعيون والحواجب وما بين الأطراف أو القوائم وأحيط المشهد كله بإطار من الخشب أحياناً، ووجدت مئات الأجزاء من هذه اللوحات المطعمة، في المعابد وأعيد ترميمها بمهارة كبيرة».

المغنية أورنينا

يتابع: «عثر في معبد "دجن" على لوحة مستطيلة وهي عبارة عن: إطار مستطيل (53 × 26س)، قسم إلى ثلاثة حقول تفصل بينها أشكال هندسية هي نفس الأشكال التي تحيط بالإطار، وقد استخدمت في رسم الأشكال قطع من الصدف والعاج الملصقة على خلفية من حجر الشيست واللازورد والذهب».

ويشير الباحث الآثاري "رامز العلوان" بالقول: «وجد في معبد "شمش" لوحة أخرى مستطيلة الشكل (17 × 25سم) يحيط بها إطار هندسي، نفذ في وسطها من العاج والصدف على خلفية من الشيست والحجر الكلسي الأحمر، الملصق بالقار هذا المشهد الذي يمثل منظراً واقعياً ومؤثراً لتقديم الأضاحي، فقد جثم في الوسط رجلان كاهنان على رأس ونهاية كبش، وقد قبضا على أطرافه بعد أن ألقي الكبش الوديع على ظهره استعداداً لنحره، وكان يحيط بهذا المشهد من اليمين واليسار متعبدون رؤوسهم حليقة إلا واحداً، ويرتدون الكوناكس وينظرون إلى مشهد التضحية بهدوء وسكينة.

إضافة للموضوعات الدينية فقد نفذت أيضاً موضوعات حربية مدنية كالعربة التي يقودها شخصان ويجرها حصانان ويسقط بين أقدامها عدو جريح، أو لوحة الحرب (العلم) التي وجدت في معبد عشتار وفيها ظهر مقاتلون يتقدمون والبلطات على أكتافهم يرتدون أوشحة مبرقعة بالمسامير لحماية صدورهم وعلى رؤوسهم قبعات تشبه البيريه».

وأوضح "العلوان": «كما عثر على بعض اللوحات النذرية المنفّذة بالنحت البارز ذات الموضوعات الميثولوجية مثل الولائم والمصارعة والمشاهد الحربية والحيوانات الخرافية، والعديد من اللوحات التي نفّذت موضوعاتها عن طريق التطعيم بالأحجار النادرة، وهذا من أكثر الفنون أصالة في ماري، كاللوحة المستطيلة التي قُسّمت إلى حقول ثلاثة ونفّذت من الصدف والعاج واللازورد والذهب، وأظهرت مشاهد للمتعبدين والمتعبدات والآلهة في مراسم "الزواج المقدس" التي كانت من أهم التقاليد الدينية في ماري».

أما عن أهم اللقى الأثرية فذكر: «من اللقى الفريدة في القصر الملكي ما أصبح يُعرف بكنـز أور Le trésor d’Ur الذي وجد في جرَّة، وضم خرزة عليها كتابة قرأت من بعض الباحثين على أنها هدية من ملك أور إلى ملك ماري، كما ضمّ الكنـز صورة نسر برأس أسد وتمثالاً برونزياً لآلهة عارية وآخر من العاج لآلهة عارية أيضاً ومشابك وأساور وغير ذلك من المواد المنفذَّة من البرونز والفضة والذهب، وهناك الأواني الحجرية ومسامير التأسيس والأختام الأسطوانية ومجسمات البيوت وغيرها».

كما وجد في القصر الملكي أيضاً تمثال لربة الينبوع طوله 42ر1 متر مصنوع من الحجر الكلسي، ويمثل امرأة ترتدي ثوباً عليه أسماك صاعدة وهابطة تسبح في مياه تفيض من إناء تمسكه الربة وزينت بالأساور والأطواق والأقراط، إضافة إلى العديد من اللقى الأثرية الأخرى التي تمثل تماثيل رجال ونساء ولوحات فنية نفذت مشاهدها بالتطعيم على الأحجار النادرة الملونة واستخدم في تنفيذها الصدف والعاج على خلفية من القار أو أحجار أخرى».