مزيج من الحضارات المختلفة من "سلوقيين، وبابليين، وفرس، وتدمريين"، فـ"دورا اروبوس" كانت ميناء "تدمر" على الفرات وتركت بصماتها على هذا الموقع الأثري المتربع على تل صالحية الفرات الذي ظل مجهولاً إلى أن تم اكتشافه مصادفة في عام /1920/.

مدونة وطن "eSyria" التقت "ياسر الشوحان" مدير آثار دير الزور سابقاً، بتاريخ 24/11/2012 ليحدثنا أكثر عن هذا الموقع فقال: «تقع مدينة "دورا اروبوس" إلى الجنوب الشرقي من مدينة دير الزور بين مدينتي "الميادين، والبوكمال" على بعد /85/ كم من دير الزور و/35/ كم من الخابور، أنشأها "السلوقيون" لتكون مركزاً عسكرياً أمام "البابليين"، واحتلها الفرس، ثم "التدمريون"، وكانت ميناء تدمر على الفرات، ثم احتلها الرومان عام /116/ م، واستعادها الفرس "الساسانيون" سنة /265/ م، وتقع على هضبة مطلة على البادية تتطاول لتشرف على نهر الفرات فتجمع بين البادية والنهر بوحدة متلاحمة لا انفصام فيها، وهي محاطة بأسوار منيعة تدعمها حواجز طبيعية، ما جعلها نقطة مراقبة هامة لطرق القوافل البرية والنهرية، وينتشر خارج أسوار المدينة عدد من المدافن الأرضية والبرجية وأقواس النصر، وتنحدر الأرض التي تقوم عليها "دورا اروبوس" بانكسار شديد نحو وادي الفرات من جهتها الشرقية والشمالية والجنوبية، أما الجهة الغربية التي تطل على البادية الواسعة الأرجاء فقد حصنت بالأسوار والأبراج والخنادق».

كانت المدينة مسرحاً للصراع بين "السلوقيين" و"الفرس"، ثم بين الرومان و"البارثيين"، ثم الرومان و"الساسانيين"، وبنيت المدينة وفق المخطط الهلنستي أي على هيئة رقعة شطرنج حيث تتقاطع فيها الشوارع (الشمالية- الجنوبية) مع الشوارع (الشرقية- الغربية)، ومن يتأمل الموقع وتاريخه يجده مزيجاً من حضارات مختلفة تركت بصماتها فيه

وأضاف: «المصادفة لعبت دوراً في اكتشاف "دورا اروبوس" في عام /1920/ وذلك أثناء حفر الجنود الانكليز خنادق في الصحراء سقط الجند في فراغ تكشفت جدرانه عن لوحات تحمل مشاهد حياتية ودينية لأشخاص يرتدون أثواباً طويلة وقبعات مخروطية مما استدعى طلب الباحث الأمريكي "جيمس هنري بريستد" لفحصها وتقدم الباحث اثر ذلك بوصف مفصل عنها إلى أكاديمية النقوش الفرنسية التي سارعت إلى تأليف بعثة ترأسها الباحث البلجيكي "فرانس كومان" عملت بالموقع من عام /1922/ إلى /1924/، وتمكنت في النهاية من الإعلان بان الموقع هو مدينة "دورا اروبوس" وبعد ذلك أهمل الموقع حتى عام /1928/ تاريخ تشكيل البعثة الفرنسية- الأمريكية التي اشترك فيها باحثون من جامعة "بال" مستعينة بحوالي / 300/ عامل نقبت خلالها قرابة ثلث مساحة المدينة، وفي نهاية عام /1937/ توقفت أعمال التنقيب بسبب أحداث الحرب العالمية الثانية لتترك المدينة للنسيان حتى عام /1986/ تاريخ تشكيل البعثة السورية- الفرنسية العاملة في الموقع حتى اليوم».

وتابع: «أظهر التنقيب المتقطع الذي مر به هذا الموقع الأثري اكتشاف الأسوار والأبراج الستة والعشرين والبوابات الثلاث، إضافة إلى القلعة وعدد من القصور (قصر القلعة- قصر الحاكم- قصر حاكم النهر)، والشارع الرئيسي المعمد والساحة المركزية، وخمسة حمامات رومانية، وسبعة عشر معبدا منها (معبد بل- ومعبد ارتميس- والبيت المسيحي الأقدم في العالم- والكنيس المحلي المعاد بناؤه في متحف دمشق)، وقد زينت معظم المعابد برسوم جداريه تظهر النزعة الطبيعية والفنون الطقسية المرتبطة بها، كما تم العثور أيضاً على الكثير من التماثيل والمنحوتات كتمثال الآلهة "افروديت" فوق درع السلحفاة، ومنحوتة الإله "ارصو" ومشهد الإله "بل" وكثيرغيرها، وعثر أيضاً على العديد من المخطوطات والنقود وأشلاء من ورق البردي والنقوش الكتابية».

وشرح "الشوحان" سبب التسمية فقال: «تتألف "دورا اروبوس" من كلمة محلية "دورا" وهي كلمة دارجة في اللغات الأكادية والبابلية وتعني الموطن أو الحصن أو المربع، أما الكلمة الثانية فهي يونانية الأصل ومنها اشتق اسم أوروبا أميرة صور التي سميت القارة الأوروبية باسمها، وتأسست المدينة في العصر "الهلنستي" زمن "سلوقس الأول"، وفي نهاية القرن الرابع قبل الميلاد قام احد قواده المدعو "نيكاتور" ببناء حصن في هذا المكان الذي وجده مناسباً لإقامة قلعة مهيبة ترهب الأعداء، أي إن المدينة تأسست لأغراض عسكرية استراتيجية ثم اكتسبت أهمية تجارية بمرور الزمن، ويتجلى ذلك في القلعة الضخمة المطلة على نهر الفرات والتي يفصلها واد عميق عن بقية أجزاء المدينة، كما يبدو من السور الخارجي وتحصيناته المتينة المدعمة بسور داخلي، ويتلاقى السوران عند الأبراج المربعة الشكل، ثم توسعت المدينة وزادت مساحتها حتى أصبحت /72/ هكتاراً».

وختم "الشوحان" حديثه: «كانت المدينة مسرحاً للصراع بين "السلوقيين" و"الفرس"، ثم بين الرومان و"البارثيين"، ثم الرومان و"الساسانيين"، وبنيت المدينة وفق المخطط الهلنستي أي على هيئة رقعة شطرنج حيث تتقاطع فيها الشوارع (الشمالية- الجنوبية) مع الشوارع (الشرقية- الغربية)، ومن يتأمل الموقع وتاريخه يجده مزيجاً من حضارات مختلفة تركت بصماتها فيه».