مثّل تل "بقرص" الأثري في "دير الزور" نموذجاً جديداً في تاريخ الحضارة الإنسانية القديمة وذلك من خلال بدء الزراعة وتربية وتدجين الحيوانات في منطقة الفرات الأوسط.

تكشف هذه المرحلة عن حقبة مهمة من تاريخ الإنسان القديم، وكيفية انتقاله من مرحلة الصيد الجائر والرعي إلى مرحلة الاستقرار وبناء المستوطنات البشرية الأولى والانتقال إلى مرحلة الزراعة وتربية الحيوانات، وسميت تلك الفترة ثورة إنتاج الطعام، وبذلك تعتبر سورية الموطن الأول لاستقرار الإنسان في المساكن والمباني.

كل الموجودات الأثرية في تل "بقرص" تعطي فكرة كاملة عن قرية زراعية فريدة قامت في منطقة حوض الفرات الأوسط، وتعد أول قرية زراعية مكتشفة تليها تل السن في قرية مرَّاط حالياً شرق "دير الزور"

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 13/11/2012 الباحث الأثاري "ياسر شوحان" "بدير الزور" ليحدثنا عن مرحلة مهمة في تل "بقرص" والذي قال: «قام الإنسان "الفراتي" الذي عاش في تلك الحقبة الزمنية بتدجين الحيوانات وتربيتها لأول مرة في تاريخ وادي "الفرات"، وذلك ليستفيد من لحومها وصوفها وحليبها أطول فترة ممكنة، وكذلك بزراعة بعض المحاصيل المناسبة للبيئة وقد دلت المكتشفات عن أدوات زراعية بدائية استخدمت في تطويع الأرض والزراعة منذ ما يقارب ستة آلاف عام، وهذا ما ساعد الإنسان على الاستقرار».

الأدوات الزراعية التي عثرت في الموقع

وأضاف "شوحان" بالقول: «كان تل "بقرص" مجتمعاً زراعياً مختلطاً جمع بين الزراعة وتربية المواشي حيث تم العثور في الموقع على بقايا نباتات متفحمة محفوظة في كوات من الجص داخل بعض الغرف، حيث أشارت الدراسات في الموقع إلى أن الشعير كان ينمو بشكل طبيعي في منطقة الفرات ثم طور الإنسان في تلك الفترة الزراعة وأصبح يزرعه إلى جانب القمح والعدس».

وعن الاستقرار الذي أوجده التدجين والزراعة في "تل بقرص" أشار الباحث "قاسم محمود" قائلاً: «كل الموجودات الأثرية في تل "بقرص" تعطي فكرة كاملة عن قرية زراعية فريدة قامت في منطقة حوض الفرات الأوسط، وتعد أول قرية زراعية مكتشفة تليها تل السن في قرية مرَّاط حالياً شرق "دير الزور"».

طيور الاوز في اللوحات الجدارية

وأضاف "محمود" بالقول: «إن الاستقرار الذي وفرته الحياة الزراعية أدى إلى إحساس المجتمعات القديمة بالسلام والطمأنينة ما أدى إلى ازدياد أعداد أفرادها وتوسع مواقعها إلى مستوطنات زراعية أخذت تكبر باطراد مع الزمن مؤدية إلى نشوء المدن الأولى».

وتابع قائلاً: «ما وفرته الحياة الزراعية من منتج ومردود دفع إلى التبادل التجاري النشط وتطور عالم التجارة وأدى ذلك إلى استقرار السكان في المنطقة التي وجد فيها الغذاء طوال العام، حيث كانوا يحصلون من نهر الفرات على المحار والسمك ومن الغابات شجر الحور والتوت وعلى ضفاف النهر كانوا يصطادون الخنازير والأيائل وفى البوادي المجاورة يطاردون الغزلان والطرائد الوحشية».

الباحث ياسر شوحان

وبين الآثاري "رامز علوني" بالقول: «أجمع الباحثون وعلماء الآثار من خلال الدراسات للبعثات العالمية للموقع على أن حضارة "بقرص "هي أول من اخترع الزراعة وأول من دجَّن الحيوانات في الفرات، وعُثِرَ في الموقع على العديد من الأواني الحجرية والأدوات كالمثاقب ورؤوس السهام والقدور والكؤوس والسكاكين والأدوات التي استعملت بالزراعة بأنواعها الخشبية والحجرية والمناجل وأدوات الطحن وأدوات عصر الزيتون».

يمثل تل بقرص الأثري في محافظة "دير الزور" نموذجاً لأول قرية زراعية بنيت حسب مخطط موحد يعود إلى العصر الحجري حيث البيوت المتلاصقة التي تشكل صفاً واحداً على جانبي الطريق وساحة القرية.

ويذكر أن القرية تعود إلى \5900\ ق.م وقد وصل عدد البيوت المكتشفة إلى 188 بيتاً ويضم كل بيت ثلاثة غرف طويلة بنيت من اللبن المجفف على الشمس وتم طلاء الأرضيات والجدران بالطين أو الجص، وزينت بعض الجدران باللوحات الجدارية الملونة التي غلبت على رسوماتها طيور الأوز والبط فهي الأثر الوحيد المكتشف في حوض الفرات الأوسط الذي ينتمي إلى فترة ازدهار العصر الحجري الحديث.