حظيت مملكة "ماري" الواقعة قرب مدينة "البوكمال" باهتمام العلماء والآثاريين والدارسين والباحثين، وأسفرت معاول المنقبين عن اكتشاف لوحات فنية على جدران المعابد والقصور، وعن صفحات تاريخية نقشت على رقم أثرية تروي للعالم وللأجيال المقبلة قصة مملكة سبقت عصرها بآلاف السنين.

ولتسليط الضوء عن كيفية اكتشاف هذه المملكة التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ 29/6/2009 السيد "ياسر شوحان" رئيس دائرة الآثار "بدير الزور" حيث قال:

بقيت مملكة "ماري" لغزاً حضارياً بالنسبة للباحثين الآثاريين في "سورية" و"بلاد الرافدين" وإن الرقم الأثرية التي عثروا عليها في الممالك الأخرى، كانت تتحدث عن مدينة غاية بالروعة والجمال والإبداع المعماري في المنطقة دون أن تحدد موقعها. وأتت المفاجأة الكبرى للآثاريين عام 1932 لدى اكتشاف بعض البدو عن طريق المصادفة لتمثال متعبد لدى قيامهم بحفر قبر لأحد موتاهم في "تل الحريري" الواقع على بعد 11 كيلو متراً شمال غربي مدينة "البوكمال" على الحدود "السورية- العراقية"، وسمي التمثال تمثال "كوبان" نسبة إلى الضابط "الفرنسي" الذي أشرف على إخراجه، لتكون بذلك بداية كشف لغز مملكة "ماري"، الذي حمل لواءه الخبير الفرنسي "أندريه بار" بين عامي 1933حتى عام 1979 لتتوجه أنظار العالم إلى "ماري" كاكتشاف هام في عالم الآثار، حيث توالى توافد البعثات الأثرية إلى الموقع ولا تزال أعمال التنقيب مستمرة حتى الآن

«بقيت مملكة "ماري" لغزاً حضارياً بالنسبة للباحثين الآثاريين في "سورية" و"بلاد الرافدين" وإن الرقم الأثرية التي عثروا عليها في الممالك الأخرى، كانت تتحدث عن مدينة غاية بالروعة والجمال والإبداع المعماري في المنطقة دون أن تحدد موقعها.

مخطط عام للمملكة

وأتت المفاجأة الكبرى للآثاريين عام 1932 لدى اكتشاف بعض البدو عن طريق المصادفة لتمثال متعبد لدى قيامهم بحفر قبر لأحد موتاهم في "تل الحريري" الواقع على بعد 11 كيلو متراً شمال غربي مدينة "البوكمال" على الحدود "السورية- العراقية"، وسمي التمثال تمثال "كوبان" نسبة إلى الضابط "الفرنسي" الذي أشرف على إخراجه، لتكون بذلك بداية كشف لغز مملكة "ماري"، الذي حمل لواءه الخبير الفرنسي "أندريه بار" بين عامي 1933حتى عام 1979 لتتوجه أنظار العالم إلى "ماري" كاكتشاف هام في عالم الآثار، حيث توالى توافد البعثات الأثرية إلى الموقع ولا تزال أعمال التنقيب مستمرة حتى الآن».

ويضيف السيد "شوحان" قائلا: «إن عمليات التنقيب كانت سريعة في موقع "تل الحريري" في إظهار معالم المملكة المستديرة بسورها المزدوج، حيث يفصل بين السوريين مسافة 200 متر، زرعت بالأشجار المثمرة، ويستطيع الزائر دخولها من 10 بوابات متقابلة في كل سور وكلها تؤدي إلى القصر الملكي، وقد ساهم موقع المملكة على الفرات الأوسط، في جعلها نقطة تواصل حضاري بين ممالك العالم القديم فكانت مرتبطة بعلاقات دولية مع "بابل ونينوى وآشور وأوغاريت ويمحاض"، وامتدت علاقاتها التجارية من "يلمون" (البحرين حالياً) إلى "قبرص"، فكانت منتعشة اقتصادياً، وعرفت فيها صناعة الزيوت والخمور والمنسوجات ومساحيق التجميل وطرق المعادن والنقش الدقيق على الأحجار الكريمة.

التماثيل المكتشفة ولغز العيون

"جان مارغرون"، أثناء عمله في السبر "الاتنوغرافي والبيئي" للموقع قال إن ثمة لغزاً مدهشاً وراء عيون التماثيل الحجرية في "ماري"، ففي الخارج حيث الضوء تستقبلك التماثيل بعيون صغيرة البؤبؤ، ويبدأ هذا الأخير بالاتساع كلما أوغلت في المسير إلى الداخل أي باتجاه الظلام، وهذه حقيقة علمية تم اكتشافها حديثاً، ولكن يبدو أن النحات السوري تمكن بدقة ملاحظته من رصدها قبل أربعة آلاف عام.

والأمر الآخر هو القوة في نظرة العيون ومحاولة زرع الخوف في نفس الزائر التي تزداد كلما ازداد القادم جرأة وحاول الاقتراب من قدس أقداس المعبد، فنرى اصطفاف التماثيل بانتظام وهي تحدق مباشرة في وجه الزائر، وتزداد ملامحها صرامة وصولاً إلى نظرات مفزعة قريباً من قدس الأقداس.

تمثال "ربة الينبوع" ولغز العيون

مفاجآت أخرى تحملها "ماري"، ففيها كانت أول غرفة تجارة في التاريخ وتحمل اسم "كاروم" من الجذر "كار" ويعني المهنة، وفيها أول مؤسسات اجتماعية لرعاية الفقراء وتدعى "موشكينوم" أي المساكين، ووجدت أول فرقة موسيقية يتم فيها التوزيع الموسيقي بين الآلات حيث تم العثور على نوتات موسيقية في مختلف المعابد وفي سجلات القصر الملكي. وكانت مملكة "ماري" تنتج عشرة انواع من العطور تصنعها ورشات بمقدار /600/ ليتر شهرياً، وتنتج /11/ نوعاً من الزيوت التي تقوم بتصديرها إلى أنحاء المعمورة المعروفة آنذاك.

يذكر أن اكتشاف مملكة "ماري" حدث علمي تاريخي هام ولاسيما أن اكتشافها حافظ على 20 بالمئة من تاريخ المنطقة، وعرف الباحثين بحقائق تاريخية هامة توضح الأهمية التاريخية للمنطقة، الأمر الذي دفع الباحث الأثري "أندريه بار" إلى القول بأن لكل إنسان في العالم وطنين بلده الذي يعيش فيه و"سورية".

السيد "عبد الله غندور" أحد الأشخاص الذين زاروا المملكة وعن ذلك قال: «يبهرك المكان بهندسته، وعظمة اكتشافه، والغريب فعلاً هو هذه الصفة المشتركة لعيون التماثيل الموجودة في المملكة المكتشفة، ورغم بعض الشعور برهبة المكان إلا أن الزيارة تستحق عناء السفر لمشاهدة كل شيء وبالأخص "قاعة جلوس الملك" والتي قيل لنا إنها أهم القاعات فهي تحتوي على منصة منخفضة هي عرش الملك، تقابلها مصطبة يتوضع عليها عرش الإله، في إشارة إلى أن الملك يستمد وجوده من الإله، حتى إن الزائر للقاعة كما قيل لنا ينحني لكي لا يقطع التواصل بين الملك والإله».

(*) تاريخ التحرير: 4/12/ 2008 – 8/7/ 2009.