تلعب الصدفة أحياناً في اكتشاف المواقع الأثرية دوراً هاماً في التعرف على أدق الأمور، وتشير الدلائل الأثرية في موقع "ماري" الأثري في محافظة "دير الزور" إلى وجود قوالب "الكعك" و"الكاتو" و"الكليجة"، وهذا دليل على إسهام الإنسان "السوري" في تاريخ الإنسانية الطويل.

استطاع المنقبون والباحثون أن ينتزعوا أخبار "ماري" من طبقات أرضها ومبانيها ورقمها الطينية التي جعلت منها مركز معلومات حافظ على أقدم الوثائق والحقائق، في موقع "ماري" وخلال فترة الألف الثالث والثاني قبل الميلاد اهتم القصر الملكي فيها بالجوانب الخدمية ولاسيما المطابخ التي كانت لإعداد الوجبات والولائم الخاصة بالقصر والمعبد.

لم يخل منزل في "ماري" من فرن التنور الحجري أو الفرن القببي الشكل، وتعتبر قوالب المعجنات ونقوشها دليلاً على رغبة الصانع في تلبية متطلبات مجتمعه الحياتية والجمالية

وللتعرف على صناعة الحلويات في "ماري" التقينا بتاريخ 5/2/2012 الباحث الآثاري "ياسر شوحان" الذي قال: «عثر في "ماري" على قوالب الكعك المصنوعة من الفخار والتي تأخذ أشكالاً إما دائرية أو مربعة أو بيضوية وتأخذ هذه القوالب أشكالاً غائرة، من أجل أن يتم وضع العجين ونضجه في الأفران».

الاواني الفخارية في الموقع

وأضاف "شوحان" بالقول: «أخذت الأشكال الهندسية شكلاً نافراً، وتضمنت هذه القوالب أشكالاً مثل "شجرة الحياة" وأشكال "بشرية" و"زخارف هندسية وحلزونية" وشكل "أسماك" وهذه القوالب مشابهة لقوالب الحلوى في عصرنا الحاضر».

وتابع "شوحان" بالقول: «لم يخل منزل في "ماري" من فرن التنور الحجري أو الفرن القببي الشكل، وتعتبر قوالب المعجنات ونقوشها دليلاً على رغبة الصانع في تلبية متطلبات مجتمعه الحياتية والجمالية».

الأثاري يعرب العبد الله

وعن أقسام المطبخ في القصر الملكي في "ماري" قال "شوحان": «قسم المطبخ في "ماري" إلى عدة أقسام، فهناك جزء للأفران وجزء لطاولات التقطيع والتحضير، وثالث للأواني الفخارية التي يتم فيها حفظ الزيوت والخمور والحبوب، إضافة إلى الأجران والمدقات وأدوات الطحن كالرحى وغيرها».

وأوضح "شوحان" بالقول: «في كل مطبخ كان هناك ملحق للتخزين يعرف ببيت "المونة"، وكانت تحفظ الحبوب والقمح في أواني كروية كبيرة الحجم لتكون بعيدة عن الرطوبة والفئران والجرذان، كما كان ملحقاً بالمطبخ غرفة "المستودع" وهي عبارة عن مصاطب حجرية تحيط بالمستودع توضع عليها الأواني الفخارية المعلقة بقطع من الجلد والخيطان، إضافة إلى إلحاق الحمامات بهذا القسم من أجل الحريم».

موقع ماري الأثري

وأشار الآثاري "يعرب العبد الله" من دائرة آثار "دير الزور" بالقول: «تعتبر "ماري" من أهم الحضارات الأثرية لاهتمامها بشتى الفنون ومواكبة العلوم وازدهار التجارة، حيث عثر فيها على قوالب من الفخار مرسوم عليها نقوشاً تشير الأبحاث إلى اهتمام الملك "زمرليم" بالمطبخ، وكانت قوالب الفخار متفاوتة الحجم من الأصغر كقطع "الكليجة"، والوسط كقوالب "الكاتو" إلى الأكبر كرغيف الخبز الحالي».

ويبدو أن ملك "ماري" أدرك أهمية تنظيم الاستقبالات الرسمية في القصر الملكي والذي قال عنه الآثاري "مقداد شعيب": «عين ملك "ماري" مهمة استقبال الضيوف إلى "موكانيشوم" الذي كان يتمتع بالذكاء وحسن التصرف، وكانت الحياة في القصر الملكي تتطلب أعداد الموائد الرسمية، وقد احتفظت نصوص "ماري" باسم "ايلو كانوم" الذي كان مسؤولاً عن المطابخ ومكلفاً بتوزيع المواد الأولية على الأفران، أضف إلى ذلك اسم "أما دوغا" الذي كان مكلفاً باستلام المحاصيل المخصصة للقصر، وكان من عادة الملك دعوة أفراد أسرته وكبار الشخصيات لتناول الطعام معه ومعالجة مختلف الأمور والقضايا، وكانت تقام المآدب الملكية في الباحة التي تزينها أشجار النخيل».

وقد استخدم الإنسان في تلك العصور لحفظ المواد الغذائية طريقة "التقديد" بالملح لما لها من أهمية في شفط المياه من الخلايا وبالتالي مساعدتها على تمديد فترة صلاحيتها وبالتالي تجفيفها.

(*): الصورة الرئيسية لقوالب الحلويات الموجودة في موقع ماري