مدينة أثرية ابتكرت طريقة لرفع مياه النهر إلى داخل آثارها وأوجدت قنوات لتصريف تلك المياه بدلاً من جلب المياه بالأواني الفخارية أو على وسائل النقل البدائية.

تختزن آثار "دورا أوروبوس" في الفرات الأوسط حكايات حضارة تروي قصص حقب تاريخية مختلفة بثقافاتها وعاداتها المختلفة، وللتعرف على طريقة رفع الماء إلى داخل المدينة التقى موقع "eSyria" بتاريخ 30/11/2011 رئيس دائرة الآثار في "دير الزور" سابقاً "ياسر شوحان" والذي قال: «تقع "دورا أوروبوس" على كتلة صخرية ترتفع 40 متراً عن مستوى نهر الفرات وبقي موضوع إيصال المياه إلى الموقع محيراً للعلماء حتى وقت قريب، لعدم وجود أي دليل يحدد الآلية التي يتم بها رفع المياه من النهر إلى الحمامات التي بنيت من القرميد الذي لصق مع بعضه بملاط من الجص وروث الحيوانات والفحم حيث يدعى هذا الخليط بالإسمنت الروماني وهو مقاوم للماء وفي وسط الحمام حوض كبير استخدم كخزان يغرف منه الماء إلى مقصورات الحمام».

كانت "دورا أوروبوس" مدينة عسكرية وكان الجيش عبارة عن كتائب من مدن مختلفة ومن مناطق بعيدة حيث عثرت التنقيبات الأثرية على وجود أسماء من عناصر الجيش مدونة على الجدران ولأي كتيبة يتبع، كما عثر على اسم لكتيبة تحمل الكتيبة التدمرية العشرين

وأضاف "الشوحان" بالقول: «وجد في الناحية الشرقية للموقع بعض النواعير لكنها تبعد ما يقارب 500 متر عن الآثار وهي منخفضة، ويعتقد بأن النواعير يعود بناؤها إلى الفترة العثمانية، أما في الجهة الشمالية المحاذية للنهر، فقد عثر في عام 2005 على مصطبتين خارج سور المدينة، والمصطبتان تنحدران باتجاه النهر وهذا ما قادنا للاعتقاد بأن كل مصطبة يتوضع عليها آلة لرفع المياه تسمى "الشاذوف"، وهو عبارة عن عصى بارتفاع معين تتقاطع مع عصى أخرى على شكل حرف "تي أو "T" يتوضع الدلو في طرف وفي الطرف الآخر يتوضع الثقل أو الوزن لكي يتم توزيع المياه للحمامات الشمالية والجنوبية القريبة من البوابة الرئيسية».

الأثاري ياسر شوحان

وأشار "الشوحان" إلى أقسام الحمام في ذلك الوقت قائلاً: «تعتبر الحمامات الرومانية في "دورا أوروبوس" شبيه بالحمامات العثمانية المتأخرة، وذلك لوجود شقين من الحمام بارد خارجي وحار داخلي، وكان هناك عمال يقومون بتسخين المياه في مراجل فخارية، يتم توزيعها على مقصورات الحمام، كما تميز الموقع بوجود قنوات للتصريف من الحمامات الداخلية والخارجية إلى النهر مباشرة».

أما ما ميز الموقع فقال عنه "شوحان: «لم يكن للموقع ميزة عرقية أو أروما خاصة بل كان عبارة عن خليط سكاني من "مسيحيين ويهود وساسانيين"، و"تدمريين ورمانيين وهلنستيين" وغيرهم من السكان، كما عثر في الموقع على رسوم جدارية زاهية الألوان حالتها جيدة ومن هذه الرسوم وجود صور لآدم وحواء، وصور الراعي الصالح، وصورة الأفعى، وأما صور الكنيس اليهودي فقد وجد لصورة موسى بيده العصا ويضرب الحجر، وصور العجل فيمكن القول إن "دورا أوربوس" تختزل الكتاب السماوي لكن في صور».

إحدى الصور الجدارية في الموقع

وما ميز الموقع من الناحية العسكرية قال عنه الآثاري "يعرب العبد الله": «كانت "دورا أوروبوس" مدينة عسكرية وكان الجيش عبارة عن كتائب من مدن مختلفة ومن مناطق بعيدة حيث عثرت التنقيبات الأثرية على وجود أسماء من عناصر الجيش مدونة على الجدران ولأي كتيبة يتبع، كما عثر على اسم لكتيبة تحمل الكتيبة التدمرية العشرين».

وأضاف "العبد الله" بالقول: «عثر على الجدران أسماء الجنود والضباط الذين خدموا في ذلك الموقع من "رومان ودول حوض المتوسط وبلاد الغال" مدونة بتاريخ الخدمة ومن أي بلاد قادم كما قاموا برسم الحصان مدوناً اسمه عليه وهناك بعض الأسماء التي عثر عليها ويعتقد أنها لضباط مثل "كليباناري" و"كاتفراكتاري" و"ساجيتاري"، ويعتقد الآثاريون أن الراء والياء الأخيرة من أسمائهم هي للرتبة العسكرية التي يحملونها».

يعرب العبد الله

كما عثرت البعثات الأثرية على الكثير من اللقى الأثرية منها رأس ملك "بارثي" من الحجر الكلسي ونصب لملك "بارثي" أمام مذبح وطبعات طينية مصنعة بالقوالب وسيوف من البرونز ذات شكل فارسي وتروس بعضها من بلاد الغال أو الهند وثياب وتروس وسرج حصان من الحديد على شكل حراشف السمك وخوذ مختلفة وثياب هندية يرجح الآثاريون تعدد مصادر هذه اللقى إلى المرتزقة الذين شاركوا الجيوش الرومانية والساسانية في القتال إضافة إلى مجامر من البرونز ومباخر من الفخار المزجج بالأزرق والأخضر ودبوس من الذهب مطعم بالأحجار الكريمة يظهر في الوسط نقش لهرقل في حديقة هسبيرايدوس ونقود بارثية وأخرى رومانية ولقى متعددة ذات أهمية تاريخية وأثرية كبيرة.

"دورا أوروبوس" ذلك المكان الذي روى للعالم بأسره من خلال الرسوم على الصخور الكلسية قصصاً في أعماق الذاكرة عن حضارة خرجت من قاع العتمة إلى نور الشمس المضيء لتضع الباحثين الأثريين أمام منعطف آخر في تاريخ الفرات الأوسط.

يذكر أن دورا أوروبوس" تبعد عن "دير الزور" 90 كم وتعتبر أكبر المواقع الأثرية إذ تقدر مساحتها بحدود 73 هكتاراً ويعود تاريخ بنائها إلى حوالي 300 قبل الميلاد.