انتفع المقيمون في مملكة "ماري" قديماً من انتقال السلع والمواد الاستهلاكية المختلفة، وتوضح الوثائق انتفاع الدولة أيضاً وخاصةً الملك من انتقال هذه المواد، حيث كانت تجبى الرسوم والضرائب على عدد من المواد من قبل جباة يستأجرهم الملك وبراتب محدد.

ولتسليط الضوء على هذا النوع من إيرادات المملكة، وكيفية تحصيل تلك الرسوم، وما المواد التي تفرض عليها الضرائب، التقى eSyria الباحث "شوكت الكبيسي"، حيث حدثنا عن أهم محاور هذا الموضوع بقوله: «كانت المبالغ المجباة على نوعين إما نقدية أو عينية، وتذكر أسماء الجباة وتاريخ تسديدها إلى الديوان بحضور الملك، وتجبى الضرائب إلى الخزائن الملكية في مختلف مدن المملكة، وليس من الضروري أن تسلم جميعها إلى الديوان الملكي وأمام الملك في مملكة "ماري" نفسها».

ومن الضرائب جرات العسل المرسلة من "إلشو"، وتظهر إحدى قوائم الفضة أن الموفدين الرسميين لا يحتفظون لأنفسهم بما يتلقون من الهدايا في الخارج وإنما يتم تسليمها عند العودة إلى صندوق الملك

تشير النصوص إلى نماذج متعددة من الضرائب والرسوم المالية، أفادنا عنها قائلاً: «هناك ضريبة تدعى "biltum" كانت تجبى في "توتول"، وأخرى تسمى ميكسو "miksu"، وهي شكل من الاقتطاع أو الحسم الجمركي، وكانت نسبتها 1/13 من رأس المال الذي يعمل به في البيع والشراء، ويظهر في القائمة هبات منحت للقائمين بأعمال الجباية، ويحتمل أنها كانت إلزامية أكثر منها هدايا حيث أرسلت مئة خروف من "ياسي دجن" عندما أعطى الملك الحقول فهي أحد أشكال الضريبة غير المباشرة إن لم تكن نوعاً من أجرة الأرض، ويماثل ذلك الماشية المرسلة من قدماء "تيزراخ"».

الباحث شوكت الكبيسي

وتابع بهذا الخصوص فقال: «ومن الضرائب جرات العسل المرسلة من "إلشو"، وتظهر إحدى قوائم الفضة أن الموفدين الرسميين لا يحتفظون لأنفسهم بما يتلقون من الهدايا في الخارج وإنما يتم تسليمها عند العودة إلى صندوق الملك».

كانت جميع الطرق الواصلة من وإلى المملكة تخضع جميعها إلى نقاط تفتيش لسهولة جباية الضرائب، حيث قال في هذا الصدد: «كانت "ماري" وكما تدل الرسائل تفرض ضرائب جمركية على البضائع التي تنقل عبر أراضيها، فقد أقامت بعض المحطات التي من مهامها أن تنظم النقل النهري والتجارة الخارجية وتراقبها، وتقوم بتفتيش السفن وتحصيل الضرائب، وتنظيم وثيقة مختصرة بذلك، وكانت مراكز الجمارك تقام على ضفة نهر "الفرات"، وربما على مسافة قريبة من "ترقا" على الحدود الشمالية لمملكة "ماري"، وعلى فروع النهر والطرق البرية وعلى أبواب المدن، وتبين وثائق أحد المراكز النهرية أن كل سفينة تعبر على الفرات في منطقة نفوذ ماري يفرض عليها ضريبة جمركية وفقاً لحمولة تلك السفينة».

مخطط لمملكة ماري تظهر فيه الممرات ونقاط العبور

وأضاف: «تدفع الضرائب إما نقداً من الفضة أو من المواد العينية كالحبوب والزيوت وما شابه ذلك، أو من كليهما، وكانت الضرائب تفرض على البضائع التي تسلك الطرق البرية أيضاً، وكانت الرسوم الجمركية تشكل مورداً هاماً من موارد الدولة، ويؤدي أي تهرب منها إلى مصادرة البضائع وحجز السفينة، وقد يؤدي فرض عقوبة بحق سفينة ما إلى اتخاذ تدابير مقابلة في مواطنها الأصلي وفق مبدأ التعامل بالمثل وتصف رسالة من "ياستيوم" إلى "إدينياتوم" محاولة فاشلة لتهريب الخمر في القارب».

وقد تلعب الأمور السياسية دوراً في إعفاء بعض الرسوم الجمركية على البضائع فتابع كلامه متحدثاً بهذا السياق فقال: «وقد تعفى أحياناً تجارة بعض المدن من الرسوم، إلا أنه لم يعرف مقدار الإعفاء، وما موقف المستفيد منه، فقد كتب ملك "كركميش" إلى "يسمخ أدو": إن هذه البعثة تمثل بلادي وأرجو ألا تثقل عليها الرسوم، وهكذا نرى أن الحقيبة الدبلوماسية تعبر "الفرات" مع التجارة، ويكون لها دور بارز ومحط اهتمام الملوك وأمراء الممالك التي كانت في تلك الحقبة التاريخية».

والجدير ذكره أن مملكة ماري تعود إلى /3000/ سنة قبل الميلاد، وتقع على بعد أحد عشر كيلو متراً إلى الشمال الغربي من مدينة "البوكمال"، وعلى الضفة اليمنى لنهر "الفرات" ضمن محافظة "دير الزور".