مدينة أثرية تبعد عن "دير الزور" /90/ كم، تضم أول كنيسة (منزلية) في العالم، "دورا أوروبوس" هذه المدينة المحاطة بثلاث هضاب وواد جعل منها موقعاً عسكرياً ودينياً ممتازاً، حيث امتزجت الحياة الدينية الشرقية بالآلهة الغربية (يونانية، رومانية) لينتج عن امتزاجها أنواع جديدة من الآلهة مثل "أرتميس نانانيا"، فالعمارة الدينية في "دورا" كانت تمثل مكانة خاصة عند الشعوب لما كان لها دور هام في حكم وتنظيم أمور المدن والحضارات.

وللتعرف على الحياة الدينية في "دورا" التقى الموقع بتاريخ 15/5/2011 الباحث "مهيدي الجراد" ليحدثنا عن تلك الفترة الدينية في تلك الحقبة فقال:

يتألف الكنيس من باحة تحيط به ثلاث أروقة، وقسم لرجال الدين وقاعة عبادة مستطيلة الشكل ولها بابان، أحدهما رئيسي في الوسط يدخل منه المصلون، وسقف الكنيس مزين بألواح فخارية مربعة الشكل وعليها رسوم نباتية مجسدة في صورة إنسان

«كانت الديانة الرسمية في "دورا" مشابهة للديانات في المستعمرات المقدونية الأخرى المنتشرة في "سورية" فتكريس عبادة مركبة من آلهة إغريقية مع آلهة رافدية، وهذا التكريس كان شائعاً بشكل معتدل خلال الحكم السلوقي مما أنجب آلهة مركبة "كأرتميس نانانيا" و"زيوس بعلشمين" وهذا ما أنقذ بعض أشكال الآلهة الإغريقية طوال تاريخ "دورا"».

الباحث مهيدي الجراد

وعن العمارة الدينية وما خلفته من مكانة خاصة عند الشعوب أشار "الجراد" بالقول: «كانت "دورا" تمثل مكانة خاصة عند الشعوب لما كان لها من دور هام لعبته على مر العصور في حكم وإدارة وتنظيم المدن والحضارات، فهذه الأبنية الدينية كانت تشكل القوة والأمان والعون الذي يستمده البشر منها، فسعى الإنسان إلى تكريم الآلهة بتشييد الأبنية الخاصة لها، وتكلف بتحسينها وتدعيمها لتبقى شامخة صامدة ولتليق بهذه الآلهة».

أما فيما يخص عدد المعابد المكتشفة فقال "الجراد":

«دلت التنقيبات المكتشفة في الموقع على وجود /14/ معبداً، وهي معبد الإله التدمري "بل" و"أدونيس" و"ازاناتكونا" والمعبد العسكري و"اتارجاتيس" و"أرتميس نانانيا" ومعبد "زيوس كيريوس" و"زيوس ماجستوس" و"زيوس تيوس" و"أفلاد" و"ميترا" و"جوبتر" و"تيكا" و"غادي"».

وتابع "الجراد" حديثه بالقول:

«معابد "دورا" كانت أقل تنظيماً في الظاهر، فالتنظيم الإجمالي للمعابد خلال العصر الهيليني والروماني يبين وجود نمطين متعارضين في التصميم، فالأول منتظم ومنظم بشكل هندسي، أما الثاني فيبدو غير منتظم ومتكدساً وفق صدفة نمو غير موجه لعناصر لا غنى عنها وظيفياً».

وفيما يتعلق بالركائز الذي بني عليها المعبد بهذا الشكل غير المنتظم قال "الجراد":

«لا نستطيع أن نحدد الركيزة الذي بني عليها المعبد هل هو مشرقي أم كلاسيكي، أو بعبارة أخرى هل تخلت معابد "دورا" عن الشكل الهندسي لتتبع الشكل المشرقي الأقل تنظيماً؟ فالمعابد المنتشرة في تلك الفترة في "سورية" كانت تتألف من العناصر نفسها كالسور الذي يحدد الفضاء المقدس، وهناك الفناء الذي يشكل مكان التجمع الطقسي والاحتفال الديني».

وعن كنائس "دورا" تحدث الآثاري "رامز علوني" قائلاًً:

«يتألف الكنيس من باحة تحيط به ثلاث أروقة، وقسم لرجال الدين وقاعة عبادة مستطيلة الشكل ولها بابان، أحدهما رئيسي في الوسط يدخل منه المصلون، وسقف الكنيس مزين بألواح فخارية مربعة الشكل وعليها رسوم نباتية مجسدة في صورة إنسان».

وشرح عن أول كنيسة في العالم قائلاً:

«كانت "دورا أوروبوس" تحوي أول كنيسة في العالم مع حوض مخصص للعماد، كما عثر في الموقع على أقدم رسم تصويري للسيد المسيح، هذا الرسم يصور معجزة شفاء المقعد، وهذه اللوحة موجودة حالياً في جامعة "يالي" في "نيويورك"، وهي أول كنيسة منزلية تعود إلى عام /232/ م، وفي عام /1934/ اكتشفت البعثة الأمريكية في الموقع قطعة من مخطوط كتبه "تاتانيوس السوري"، مؤسس فرقة "المتزهِّدين" وهي واحدة من سبعة مذاهب نسكية مسيحية، وكانت الكتابة باللغة اليونانية».

وأضاف "علوني" بالقول:

«لوحظ "بدورا أوروبوس" أن الكنيسة المسيحية كانت عبارة عن أبنية متواضعة وهي أشبه ما يكون للسكن تم تحويلها إلى مراكز للعبادة، ويمكن تفسير هذه المسألة بأن الكنيسة المسيحية في "دورا" كانت في بداية انتشار المسيحية وضمن وسط وثني مما يميز الكنائس المسيحية الأولى بالبساطة بهدف عدم استفزاز الأكثرية الوثنية التي كانت تعيش في المنطقة».

يذكر بأن المدينة تأسست في عام /300/ قبل الميلاد من قبل القائد العسكري "سلوقس نيكاتور" حاكم "سورية" في ذلك الوقت، وهذا التأسيس لم يكن مدينة حقيقية، وإنما كان عن معسكر أو نقطة عسكرية عند النقطة التي تعبر منها القوافل ومع مرور الزمن تطورت هذه النقطة لتصبح مدينة، وتم وضع المخطط والأسوار في النقطة المرتفعة، وفي عام /165/ ق.م بدأ التأسيس الفعلي للمدينة قبل أن يحتلها الساسانيون ويدمروها عام 256م، كما حصلت في عام /2010/ م على جائزة أجمل منتزه أثري في العالم.