تعتبر الحياة المعتقدية في مملكة "ماري" من أكثر الجوانب غنى وتنوعاً في حياة المملكة، فقد أدى التنوع الديمغرافي إلى تنوع في الحياة المعتقدية واستطاعت المملكة أن توازن من حيث المعتقدات بين جناحيها الرافدي والسوري، لتنتج لنا نموذجاً للحياة الدينية التي يشيع فيها التسامح الديني والتنوع الثقافي.

للتعرف أكثر على الحياة المعتقدية في "ماري" التقينا أولاً الباحث الآثاري "يعرب العبد الله" الذي حدثنا عن هذا الجانب بقوله: «لم يكن للحياة المعتقدية في "ماري" طابع واحد خلال العقود التي مرت بها المملكة، ففي الألف الثالث قبل الميلاد نجد آلهة "عمورية" بجوار الآلهة "السومرية" وقد كانت تتم عبادة الآلهة "السومرية" و"العمورية" في الوقت ذاته في "ماري"، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على التمازج الثقافي بين الحضارتين "الرافدية" و"السورية" وعلى قدر كبير من التنوع تميزت به الحياة الدينية مما كان له أبلغ الأثر في ازدهار المملكة، وكان في "ماري" في تلك الحقبة إله رئيسي ومجموعة من الآلهة الأخرى، والإله في "ماري" هو المالك الأول للأرض، فالعامة من الناس عاملون عنده وبالتالي فهم لابد يدفعون الضرائب للمعبد عن طريق الكهنة.

بالاضافة إلى الموقع الجغرافي لمدينة "ماري" فقد كان لموقعها التجاري والدور الاقتصادي الذي لعبته في المنطقة وانتقال الأفراد بين الرافدين وبلاد الشام أثراً كبيرا في هذا التنوع ما جعلنا نجد معابد للآلهة السومرية ومعابد للآلهة العمورية في المدينة

ويمكننا القول إنه في بداية نشوء "ماري" كانت السلطة للمعبد ثم شهدنا بعد ذلك تقاسم للسلطة بين الآلهة والملك إلى أن شهدنا في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد فصلا بين المعبد وسلطة الدولة وهنا بدأنا نشاهد الكهنة الذين يقومون بدور الوساطة بين الإله والناس.

تمثال ربة الينبوع

ويمكن بالاستناد إلى وثائق التاريخية أن نتعرف إلى فئات الكهنة وهي:

  • "قدشتو" وهي فئة مؤلفة من النساء حيث يلتحقن بها ليصبحن كاهنات.

  • "الكالو" وهي الفئة التي تعنى بالآلات الموسيقية والترانيم.

  • "الأشيفو" ووظيفتها إبعاد الأرواح الشريرة التي كانت تتهم بأنها سبب الكوارث والأوبئة.

  • "البارو" وتهتم بالتنجيم والفلك والكهان المتنبئون يسمى واحدهم "نبو" ومن خلال هؤلاء تتم استشارة الإله في الأمور التي تتعلق بالشؤون الهامة في المملكة.

  • الأستاذ يعرب العبد الله

    أما فيما يتعلق "بماري" في فترة السيادة العمورية فقد حدثنا عنها الأستاذ "ماهر دهمش" أستاذ التاريخ في جامعة "الفرات" بالقول:

    «تعددت في "ماري" أسماء الآله التي أشارت إليها الوثائق التاريخية مما يدل على حالة من التفاعل والتسامح شاعت في هذه المملكة وعلى مدى التعايش بين الثقافات، وهي آلهة تعيش حياة انسانية فهي تتزاوج وتأكل وتشرب وتنام وقد كان طعام الآلهة من الخبز واللحوم، وقد عبر وجود الآلهة عموماً عن العجز عن تفسير بعض الظواهر الطبيعية ما دفع الانسان إلى ابتكار تلك الآلهة واعتبارها رموزاً فسر بها تلك الظواهر، وعن أهم الآلهة التي عبدت في "ماري" وقد حرص أهل "ماري" على تقديم الأضحيات المتنوعة لها طمعاً في كسب رضاها: احتل الإله "دجن" المرتبة الأولى بين آلهة "ماري" وهو عند أبناء منطقة الفرات الأوسط سيد الآلهة، أما "عشتار" وهي الآلهة ذائعة الصيت فقد انتشرت عبادتها في "ماري" واعتبرت آلهة الخصب وآلهة الحرب أيضاً وكان لها عيد شهير في "ماري" يحتفل بها أهل المدينة وهناك العديد من الآلهة الأخرى مثل "أدد" وهو إله العاصفة و"نينهور ساج" و"تموز" "ننكور"، وقد انتشرت في "ماري" ورش تتم فيها صناعة التماثيل».

    وحول العوامل التي أفرزت هذا التنوع في الحياة الدينية لمدينة "ماري" أضاف بالقول: «بالاضافة إلى الموقع الجغرافي لمدينة "ماري" فقد كان لموقعها التجاري والدور الاقتصادي الذي لعبته في المنطقة وانتقال الأفراد بين الرافدين وبلاد الشام أثراً كبيرا في هذا التنوع ما جعلنا نجد معابد للآلهة السومرية ومعابد للآلهة العمورية في المدينة».