اشتهرت مملكة "ماري" بتعدد الصناعات والمهن اليدوية، والتي كان لها صبغة معينة، ومن العلامات الفارقة التي ميزت هذه المملكة، ومن بين المهن التي برزت صناعة النسيج.

وللتعرف على المنسوجات اليدوية التي تميزت بها مملكة "ماري" التقينا المهندس "أمير حيو" من دائرة الآثار والمتاحف بـ"دير الزور" حيث قال بهذا الخصوص: «أبدع سكّان "ماري" في مختلف أنواع الصناعات والتي كانت مستخدمة في حياتهم اليومية، ومن أهمها صناعة النسيج والملابس، والتي تعد من أقدم المهن التي عرفها الإنسان، وكانت وليدة حاجته إلى وقاية نفسه من العوامل الجوية ورطوبة الأرض التي يجلس وينام عليها، وقد تدرجت هذه الصناعة في سلم التطور، فمن الخيوط التي توصل الإنسان لصنعها نسج جميع ما يحتاج إليه سواء لملابسه أو لمجالسه أو لخيامه».

هذه الأنسجة المصنعة والملابس وتوابعها، مثل الحواشي وشرائط الأثواب، والأغطية والستائر والبطانيات والبسط كانت من المواد الصناعية والتجارية بشكل واسع، وهي بأصنافها العديدة وتنوعاتها المحلية كان يمكن أن تجعل الحياة أكثر متعة

وأضاف: «أخذ الصنّاع يزينون المنسوجات بالرسم والصباغة والتطريز، أو بنسجها من عدة خيوط مختلفة الألوان، أو بإضافة قطع صغيرة من نسيج آخر إلى القطعة الأساسية، وكل ذلك ليكسبها رونقاً وجمالاً، وقد ساعدت طبيعة المنطقة العربية على قيام هذه الصناعات وتطورها، فقد أمدتهم قطعان الأغنام المنتشرة في معظم أرجائها بأفضل الأصواف، وتمكنوا من تكوين الأصباغ الثابتة».

المهندس أمير حيو

أبدع الصنّاع المهرة في عمليات النسيج، وكانوا يعملون بشكل ورشات منظمة، شرح لنا هذه النقطة الهامة بقوله: «إن القطاع الحرفي كان من أهم القطاعات في مملكة "ماري"، ويعمل فيه عدد كبير من الأشخاص، ويذكر في إحدى القوائم ما يقرب من ألف شخص عملوا في صناعة النسيج، ويمكن أن نقدر الحجم النسبي لمشاغل النسيج من قوائم التعيينات، وقد ضم واحدا من خمسة أقسام /58/ رجلاً، و/59/ امرأة من عمال وعاملات النسيج، ففي النص /ARM VII88 / يضم المشغل ستة رجال وثلاث نساء عاملات يرتبطون برئيس للعمال، وكانت هذه الحرفة تقاد بالخبرة المتقادمة لمعلمي الحرفة».

وعن أنواع الأقمشة قال: «تصنف الأقمشة حسب نوعية حياكتها إلى أقمشة ثخينة، وأخرى خفيفة، وكانت تصبغ الأقمشة بملونات نباتية بالإضافة لاستخدام حجر الشبة كمثبت للون، ولا يزال حتى الآن وعلى الرغم من وجود الأصبغة الجاهزة حالياً، يقوم بعض النساجين من الحرفيين بتركيب أصبغتهم، ويصنعونها بأنفسهم مستعملين ما يروق لهم من ألوانها في تلوين منتجاتهم النسيجية».

وفيما يخص الملابس أضاف: «كان الجزء الأساسي من اللباس كما هو اليوم لدى العرب البدو يشبه الثوب "الجلباب"، وربما كان ينسج بقياس ثابت تقريباً، فأصبح وحدة للمقايضة، وكذلك وحدة دفع كأجر أو مكافئة، وهو اللباس العادي المصنوع من الجوخ المزين، وقد يكون من الكتان أحياناً، وكان الملك يرتدي ثوباً يلتصق بجسمه، وهو قطعة بسيطة من قماش يثبتها حزام، مع رداء علوي يجري ارتداؤه من جهة الرأس، ويرتدي في بعض الأحيان غطاء للكتفين فضفاضاً، ويعتمر على الرأس القبعة، والكمية الأكبر كانت تجهز للجيش، التجهيزات المزركشة والترفية المخصصة للكبار والهدايا فلا تشكل إلا الجزء البسيط من الإنتاج».

ولأنسجة المفروشات أهمية كبيرة في الحياة اليومية لسكان مملكة "ماري" حيث قال في ذلك: «كانت كلمة سجاد معروفة ولكن لا نعرف إذا كانت منسوجة على شاكلة نسيج السجاد الحالي أو هي بساط مطرز أو سجاد وبري من نماذج خاصة، ويعلن "زمري ليم" في رسالة موجهة إلى "موكانشيوم" أنه ينوي أن يأخذ إلى بابل سجاداً من نموذج يمحاضي ومصنوع في ماري، ويذكر نص آخر غطاء سرير يمكن استخدامه على الوجهين، وبطانيات من الدرجة الأولى وستائر بوجهين، وذكرت نصوص أخرى صناعة اللباد».

وتابع قائلاً: «هذه الأنسجة المصنعة والملابس وتوابعها، مثل الحواشي وشرائط الأثواب، والأغطية والستائر والبطانيات والبسط كانت من المواد الصناعية والتجارية بشكل واسع، وهي بأصنافها العديدة وتنوعاتها المحلية كان يمكن أن تجعل الحياة أكثر متعة».