على الضفة اليمنى من نهر "الفرات"، وعلى بعد تسعين كيلو متراً من مدينة "دير الزور" شرقاً، تقع أطلال "دورا أوربوس" التاريخية، والتي تعرف باسم "الصالحية"، يصلها المسافر عندما يسلك الطريق الفرعي على اليسار من طريق "البوكمال" الرئيسي، وقد حصل موقع "دورا أوربوس" خلال العام 2010 على جائزة "كارلا سكاربا" الدولية، التي منحت له في حفل أقيم في مدينة "تريفيزو" الإيطالية بفضل مقوماته المتميزة من الناحية التنظيمية، وتواجد دور العبادة المتنوعة فيها، وتنوع الحضارات المتلاحقة التي مرت عليه.

وللتعرف على هذا الموقع الذي يعتبر أحد أهم آثار المحافظة، التقى موقع eDeiralzor بتاريخ 17 أيلول 2010، الباحث الأثري "يعرب العبد الله" أحد المشاركين في أعمال التنقيب التي أجريت في الموقع سابقا، والذي حدثنا بداية عن كيفية اكتشافه قائلاً: «تنبه إلى أهمية هذه الآثار، أحد ضباط الحامية العسكرية "الإنكليزية في عام 1920، عندما عثر صدفة على أحد الرسوم الجدارية بداخلها، والتي كشف عليها فيما بعد العالم الأثري "بريستد" والعالمة "جيرترود بيل"، ثم قام المعهد الفرنسي في "باريس" بإيفاد العالم البلجيكي "فرانز كومان، للقيام بحفريات أثرية فيها، وفي عام 1928 اشتركت جامعة "بيل" الأميريكية وأكاديمية "الخطوط والآداب الجميلة" الفرنسية وتابعت الحفريات».

تنبه إلى أهمية هذه الآثار، أحد ضباط الحامية العسكرية "الإنكليزية في عام 1920، عندما عثر صدفة على أحد الرسوم الجدارية بداخلها، والتي كشف عليها فيما بعد العالم الأثري "بريستد" والعالمة "جيرترود بيل"، ثم قام المعهد الفرنسي في "باريس" بإيفاد العالم البلجيكي "فرانز كومان، للقيام بحفريات أثرية فيها، وفي عام 1928 اشتركت جامعة "بيل" الأميريكية وأكاديمية "الخطوط والآداب الجميلة" الفرنسية وتابعت الحفريات

وصف المدينة

«بنيت مدينة "دورا أوربوس" على هضبة طبيعية علوها 50 متراً، ممتدة من البادية "الشامية"، حتى نهر "الفرات"، وهي معزولة من جهاتها الثلاث، بأودية ولا يمكن الوصول إليها إلا من الجهة الغربية المحصنة بسور دفاعي، وتبلغ مساحة المدينة داخل السور 73 هكتاراً، تخترقها شوارع منتظمة متقاطعة تشبه رقعة الشطرنج، يبلغ عدد شوارعها الطولانية ثمانية، مع شارع رئيسي في الوسط طوله 650 متراً، وتتقاطع مع الشوارع العرضانية الثمانية، مع الشارع العرضاني الرئيسي بالبالغ طوله 373 متراً، وللمدينة ثلاث أبواب رئيسية، الأول يقع في طرفها الغربي المطل على البادية والمسمى "بوابة تدمر"، والثاني من جهة النهر، والثالث في الجهة الجنوبية.

جزء من أسوار دورا أوربوس

وقد حافظت المدينة على أسوارها المدعمة بأبراج قوية، وتمتد هذه الأسوار على شكل مضلع غير منظم، وهي مبنية من أحجار الكلس المقطع، عدا الزاوية الشمالية الغربية والتي بنيت أسوارها من اللبن وبعض الحجارة والجص، أما الأبراج فإنها مربعة ومستطيلة الأشكال، ويتألف كل برج من طابقين يصعد عليه بواسطة سلالم، وعلى السور الجنوبي شيد برج خماسي الأضلاع، ويعتبر من أجمل الأبراج، وأكثر الآثار "الهلينستيه" ندرة في "سورية"».

ويتابع السيد "العبد الله" وصف هذا الموقع قائلاً:

بوابة تدمر

«في الجهة الشرقية للمدينة، توجد قلعة كبيرة تطل على النهر، وهي مفصولة عن أقسام المدينة بخندق طبيعي يزيد عرضه على ألف متراً، وبنيت القلعة على شكل مستطيل، ويوجد في كل زاوية من زواياها برج يبلغ ارتفاعه 36 متراً، ويوجد وراء القلعة حصن مهدم لم يبق إلا بعض أسواره، وتعتبر أسوار المدينة وأبراجها نموذجاً فريداً للمنشات العسكرية.

وتضم المدينة العديد من المعابد لشتى الديانات وكنسية مسيحية ومقراً للحاكم العسكري، وأغوارا وحمامات، ومساكن وأسواق، وللمدينة قبور متواجدة خارج السور الغربي، وهي على نموذج الأرضية والبرجية كما هو الحال في مقابر "تدمر".

يعرب العبدالله

المعابد

كما أشرنا سابقاً تشتهر "دورا أوربوس" بكثرة معابدها التي تمثل كافة الديانات الوثنية والتوحيدية، وهذا دليل على قدم المدينة وماسكنها من أقوام وشعوب، وقد شيدت أساسات هذه المعابد من الحجارة والجص، وجدرانها من اللبن، ويتألف كل معبد من باحة في الوسط يحيط بها مجموعة من الغرف، منها غرفة للهيكل مع صورة أو تمثال الإلهة بداخلها ومذبح لتقديم القرابين، وغالبا ما كانت الغرف تخصص للكهنة ورجال الدين، أما معابدها فهي: معبد "ازناتكونا"، "ادونتيس"، "تيشة"، "تيشة"، "الجنود"، "زيوس كيروس"، "عفلد"، "زيوس ماجستوس"، "زيوس شيسوس"، "اترغاتس"، "اتميس"، "الكنيسة المسيحية".

القصور

كما يوجد في الموقع ثلاثة قصور؛ الأول يقع في القلعة، وقد تهدمت معظم أجزائه، والقصر الآخر يقع في الجهة الجنوبية من المدينة، ويشرف على الوادي والقلعة، ويتألف القصر من ردهة مركزية في الوسط وبوابة واسعة، يحيط بها ردهتان جانبيتان لكل منهما مدخل رئيسي عريض، ويحيط بالردهة الرئيسية مجموعة من الغرف الجانبية، وجميع هذه الردهات تؤدي إلى الجناح الخلفي للقصر، الذي يتألف من باحة مركزية سماوية يحيط بها أعمدة من كل جوانبها، أما القصر الثالث، فهو قصر الحاكم العسكري الذي شيد في العصر "الروماني"، وأما القصران الأوليان فقد شيدا بالعصر "اليوناني".

ويعتبر قصر الحاكم العسكري من أضخم الأبنية العامة، ويقع في الجهة الشرقية من المدينة، ويفصله عن القلعة الوادي، يتألف من مدخل رئيسي يطل نحو الغرب مع بوابات ثانوية، والمدخل يؤدي عبر الغرفة إلى باحة سماوية، تحيط بها الأعمدة من كل جوانبها مربعة الشكل، يتصل هذا القسم مع القسم الشرقي عبر بوابة، تؤدي أيضا إلى باحة سماوية مربعة الشكل، محاطة أيضا بكل جوانبها بالأعمدة، وتحيط بها مجموعة من الغرف، والردهات المستطيلة على صف واحد، أما من الجهة المقابلة للنهر فتحوي على غرف وشرفات وردهات في محور وسط القصر ذات النمط نصف الدائري والمشرفة بإطلالة على النهر مباشرة».

ويضيف الباحث "العبد الله" قائلاً: «كما يضم الموقع "الأغوارا" وهي عبارة ساحة عامة ومركز الحركة التجارية، وتقع وسط المدينة، وفي الجهة الشمالية من الشارع الرئيسي وغربي الشارع الشرقي، فتأخذ شكل مربع، تتألف من عدة جزر سكنية، ويحيط بالساحة الأسواق والبيوت السكنية التي تعود غالبا لأصحاب الدكاكين والحرفين.

أما بالنسبة للحمامات فتحتوي المدينة على عدد من الحمامات المشيدة بالآجر (نوع من الحجارة مصنوعة من الغضار والرمل المشوي) والتي كانت تحتوي على مجارير، وخزانات للماء وقساطل لمرور المياه الحارة والباردة، ويضم الحمام على مقصورة حارة ومفلترة وربما ردهة للرياضة أو الاستراحة.

أما البيوت السكنية ذات الشكل المربع الشكل، فقد شيدت أساساتها من الحجارة والجص وجدرانها من اللبن، ويطل البيت ببوابة جانبية على الشارع، ومنها عبر غرفة دخول تؤدي إلى باحة سماوية مركزية يحيط بها عدد من الغرف، منها ثلاث رئيسية تشرف على الباحة مباشرة، ومنها جانبية لها اتصال مع الغرف الرئيسية، ويضم البيت درجا يؤدي إلى الأسطحة المستوية وعلى مطبخ وغرف مؤونة وإسطبل، وهناك بعض البيوت الخاصة بالأشخاص الميسورين، مثل بيت "ليسياس"، وبيت "الكاتب" والتي تتميز بالاتساع وتعداد باحاتها وغرفها وطوابقها العلوية.

ويقع في الجزء الشمالي من المدينة المسرح، وهو مشيد بالحجارة والجص واللبن، على شكل مستدير يشبه إلى حد كبير مسارح "تدمر"، "و"بصرى"، يحتوي على مقاعد حجرية.

وعن المكتشفات الأثرية في موقع "دورا أوربوس" فقد ذكرها للموقع الباحث "مازن شاهين" صاحب كتاب "تاريخ محافظة ديرالزور" وعضو لجنة جمع التراث قائلاً:

«عثر المنقبون على مجموعات أثرية مهمة، يمكن ايجازها بالتالي:

  • مجموعة من التماثيل الحجرية تمثل الإلهة "بعل" والإلهة التدمرية "يرحبول" وتمثال "عفلد، أفرديت، هرقل، حدد" وغيرها من الآلهة والتماثيل لبعض الأشخاص من رجال ونساء.

  • مجموعة من الرسوم الجدرانية الملونة وجدت في المعابد ذات مواضيع دينية.

  • مجموعة من الأسلحة البرونزية والحديدية والفخار والنقود، هذه المكتشفات معروضة حاليا في متحف جامعة "بيل" الأمريكية ومتحف "اللوفر" ومتحف "دمشق".

  • ويتابع الباحث "شاهين" حديثه عن الدراسات والأبحاث التي أجريت على هذا الموقع قائلاً: «بعد اكتشاف الموقع وإجراء الحفريات الأثرية ذات الدراسات، تم نشر العديد من الأبحاث عن نتائج الحفريات، والتي تناولت بعض الموضوعات المتعلقة بالهندسة أو الفنون أو الكتابات أو المكتشفات الأخرى التي ظهرت في الموقع الأثري، ومن هذه الدراسات نشر العالم الأثري "كومون" مجلداً في عام1926 بالغة الفرنسية تحت عنوان "حفريات دورا أوربوس"، أعقبه بعد ذلك سلسلة من المجلدات بالإنكليزية حول التقارير النهائية للحفريات تحت عنوان "الحفريات في دورا أوربوس" والتي تناولت الدراسات الهندسية للسور والمعابد والمنشآت المعمارية والرسوم واللقى الأثرية.

    كما نشر "دي فيزيل" في عام 1939 بحثا باللغة الفرنسية تحت عنوان "الكتابة التدمرية في دورا أوربوس"، وفي عام 1935 نشر "روستوفزف" بالإنكليزية "دورا" ومشكلة الفن الفارسي،، وفي عام 1941 نشر "هرتزفلد" بالألمانية "معبد ومعتقد المدن السورية في العصرالهلنستي-الروماني"، ونشر "وللز" عام 1970 بالإنكليزية "آلة دورا أوربوس"، وكان قد نشر بالإنكليزية مع فريق من الباحثين في عام 1955 "كتابات من دورا أوربوس"، وفي عام 1973 نشر "برنكيس" بالإنكليزية "الفن في دورا أوربوس"، كذلك نشر "وللز" بالإنكليزية عام 1951 "السكان في دورا بالعصر الروماني"، وقد نشر الباحث "شلومبرجيه" بالفرنسية عام 1970 "الشرق الهلنستي"، ونشر "ببييو لوريش" و"أسعد المحمود" عام 1988في مجلة "سورية"، والتي تصدر بالفرنسية "دراسات حول دورا أوربوس"، إضافة إلى العديد من المقالات والمحاضرات التي ألقيت في العديد من المؤتمرات والندوات الأثرية المحلية ومنها العلمية».