على الرغم من أن تل "العشارة" لم يتم التنقيب إلا في جزء يسير منه إلا أنه كشف عن حضارة عظيمة من خلال اللقى الأثرية التي عثر عليها في التل، والرقم المسمارية التي قدمت معلومات تغطي فترة زمنية تمتد من سقوط "ماري" عام 1760 وحتى 1600 ق.م.

و"العشارة" كما حددها الباحث مازن شاهين: «تقع على بعد 55كم من "دير الزور" على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وتقوم على التل الكبير الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من عشرين متراً».

تقع على بعد 55كم من "دير الزور" على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وتقوم على التل الكبير الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من عشرين متراً

و لإلقاء الضوء على هذه المدينة التاريخية التقينا الأستاذ "أمير حيو" مدير دائرة الآثار والمتاحف في "دير الزور" والذي أفادنا قائلاً: «بعد أن خبا نجم "ماري" إثر دخولها تحت السيادة البابلية تمكنت المنطقة من إعادة استقلالها وذلك بظهور مدينة "ترقا" التي تعتير الوريث الشرعي للمملكة العظيمة "ماري" ويعود تاريخ "ترقا" إلى الألف الثالث قبل الميلاد، كانت مسكونة من قبل الأكاديين في عهد "نارامين" إلى أن أصبحت تابعة "لماري" في الألف الثانية قبل الميلاد.

من لقى ترقا

ثم سكنتها قبائل "عمورية" وأطلق على المنطقة اسم "خانة"، ويعتقد أن السلالة "العمورية" التي حكمت "ماري" مع بداية الألف الثاني قبل الميلاد قد نشأت في مدينة "ترقا" قبل أن تحكم مدينة "ماري"، وفي زمن الكاشيين الذين أعقبوا سلالة بابل اشتهر الملك"كاشتيلياش"، وفي القرن الأول قبل الميلاد سكنها الآشوريون وأطلقوا عليها اسم"سيرقو" وذكرت الحوليات الآشورية أن الجيش الآشوري سار لتحصيل الضرائب من "سرقو", وعثر أيضاً على نصب حجري مكتوب عليه بالآرامية عن مرور جيش آشوري 700ق.م.

وتنعدم الأدلة الأثرية من 700 ق.م وحتى 1200 ميلادية عندما نشأت قرية صغيرة في تل "العشارة" في العصر الأيوبي إلا أن أهميتها انخفضت حيث أصبحت تابعة "لقرقيسيا" ثم "للرحبة" ، دل على ذلك وجود بعض اللقى الفخارية المزججة و76 قطعة نقدية فضية تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي ويعتقد أن اسم "العشارة" أطلق في تلك الفترة على هذا التل»..

خاتم اسطواني يمثل إلهة جالسة على عرشها، أمامها ملك عابد وإلهة شفيعة,من موقع تل العشارة( ترقا), العصر السوري القديم1900-1800 ق.م.

وحول التنقيب في "ترقا" وأهم المكتشفات فيها أضاف قائلاً: «بدأ التنقيب المنهجي في "ترقا" عام 1974 بواسطة بعثة أميركية برئاسة الدكتورة "تيريزا كارتر"، ثم انتقل التنقيب إلى الدكتور "جورجيو بوتشيلاتي" و "مارلين كيللي" من جامعة "كاليفورنيا".

وقد وصل التنقيب الآثاري حتى السويات المعاصرة لفترة "ماري"، ففي فترة "شمشي أدد" عثر على سدادة طينية تحمل اسمه، كما عثر على رقيم طيني يحمل اسم شهر لم يستخدم إلا في أيام ذلك الملك.

المهندس أمير حيو

وللفترة العائدة لحكم الملك "كبري دجن" في "ترقا" 1775 ق.م عثر على رقيم مسماري يتحدث عن إقامة مخزن للثلج "بيت الثلج" في "ترقا".

كما عثر أيضاً على معبد أسسه الملك "قشتيلياش"1690 ق.م وهو معبد "نينكاراك"، وسور ضخم كان يحيط بالمدينة وعلى كتابة مسمارية ورسائل متبادلة وعقود تجارية ونماذج مختلفة من الأدوات الفخارية، بالإضافة إلى بيت شهير هو بيت "بوزوروم" الذي جرف "الفرات" نصفه، ويبدو أنه تعرض للحريق في الزمن الماضي إذ عثر بداخله على أثاث منزلي وأدوات باقية في مكانها منذ 3700 سنة وحتى الآن، يتألف البيت من باحة سماوية متوسطة وثلاث غرف، عثر في إحدى الغرف على مئة رقيم مسماري بعضها محفوظ داخل مظروف فخاري ممهور بخاتم، تتحدث الرقم عن شؤون إدارية تخص شراء عقارات وبيعها.

وكل هذا لم يكن ليحدث لولا أنّ نهر "الفرات" ساهم في جرف حوالي نصف تل "العشارة" عبر العصور ما أدى إلى ظهور الآثار واللُقى من باطن الأرض إلى سطحها».