إن الأهمية الحضارية للمواقع الأثرية في "دير الزور" تأتي لكونها تضم العديد من الحصون والقلاع والتلال الأثرية التي تحوي المعابد والحمامات والمدافن إضافة إلى الرقم المسمارية واللوحات الفسيفسائية التي تعبر عن الحياة الدينية والنشاطات الحياتية المختلفة في ممالك الفرات الأوسط والتي تؤكد قدم هذه المنطقة وتعاقب الحضارات عليها.

وللتعريف بهذه الأوابد وتاريخها وغنى منطقة الفرات الأوسط بالمواقع الأثرية، استضافت محافظة "دير الزور" في المركز الثقافي العربي الندوة الدولية للأوابد الأثرية في منطقة الفرات الأوسط، بمشاركة علماء آثار من إسبانيا والبرتغال وفرنسا، بالإضافة إلى المشاركين من الجانب السوري.

هي فرصة كبيرة جداً وجود العلماء الإسبان والفرنسيين والبرتغاليين فهم مختصون بعلم الآثار ونحن نسعى للاستفادة من خبراتهم بالشكل الأمثل فكل بعثة أثرية مقسمة إلى جانبين، الجانب الأجنبي والجانب السوري

وللتعرف على أهمية هذه الندوة والهدف منها التقى موقع eSyria المهندس "أمير الحيو" مدير دائرة الآثار والمتاحف "بدير الزور" والذي قال: «هذه الندوة من الندوات الهامة جداً بالنسبة لأهالي "دير الزور" وكذلك بالنسبة للباحثين والمهتمين في مجال الآثار، كونها تحدثت عن أهم المواقع الأثرية في منطقة الفرات الأوسط وعن أهم الاكتشافات الجديدة في تلك المواقع وتحدث العلماء الأجانب والباحثون من الجانب السوري عن خلاصة تجربتهم وبحثهم وتنقيبهم المستمر في تلك المواقع والتي دامت لأغلبهم من ستة إلى سبع سنوات، كما بين المشاركون تاريخ كل موقع أثري والحضارات التي تعاقبت عليه والملوك الذين حكموا في كل حقبة تاريخية، وكذلك قدمت الندوة بعض المقترحات والحلول للحفاظ على تلك المواقع ومن هذه الحلول، عدم رمي النفايات، إيقاف أعمال حفر الأقنية بشكل عشوائي، إيقاف أعمال الزراعة العشوائية غير المنظمة في المناطق القريبة من الآثار، إيقاف أعمال البناء العشوائي غير المنظم، عدم دفن الموتى على المواقع الأثرية، إيقاف الأعمال الكهربائية غير المدروسة، الحد من شق الطرق الترابية غير الصالحة للتخديم المتعدد».

المهندس أمير حيو مدير آثار دير الزور

والتقينا من الجانب السوري الباحث الآثاري "يعرب العبد الله" والذي تحدث عن الاكتشافات الأخيرة على مستوى البحث الأثري "بدير الزور" بالقول: «أثناء عمل البعثة السورية الاسبانية المشتركة والعاملة لدى دائرة آثار دير الزور بموقع قبر "أبو العتيق" الأثري تم اكتشاف تابليتات "رقم مسمارية" ولأول مرة تكتشف على ضفاف الفرات مثل هذه الرقم، والدراسة الأولية تظهر بأنها ترجع إلى فترة "الآشوري الوسيط" كما تم اكتشاف العديد من القطع الفخارية الصحون والجرار».

وتحدث "العبد الله" عن "تل الكسرة" الأثري والذي كان موضوع مشاركته بالندوة قائلاً: «يقع "تل الكسرة" على بعد 39 كم إلى الغرب من "دير الزور"، في مركز ناحية الكسرة، على الطريق الواصل إلى محافظة الرقة جزيرة.

الباحث يعرب العبد الله

التل محاط بسور من اللبن بشكل خماسي وهو ظاهر في ثلاث جهات ومدمر في الجهة الشمالية الغربية، الثلث الغربي من الموقع وقع تحت تأثير جريان مياه الأمطار وذلك على شكل شبكة من التشققات العميقة التي تستمر بشكل منحدر حتى تتلاقى مع السهل النهري الذي ينخفض بعمق 20 متراً عن مستوى سطح التل.

يوجد على سطح التل مقبرة حديثة حالياً تقع في القسم الغربي منه، ومن أهم المكتشفات الجديدة في تل الكسرة هي لوحة فسيفسائية تضم مشهداً لعدة حيوانات وهي من أهم الحيوانات وتبرز أهميتها من خلال وجود بعض الحيوانات التي لم يسبق ظهورها ضمن لوحات الفن البيزنطي المكتشفة "المهر- الفيل" هذا المشهد قسم إلى قسمين الأول يصور "المهر" يقابله حيوان مفترس وهو "الضبع" بحالة انقضاض وتحتهما حيوان مائي وهو "اللقلق" وإلى خلف "المهر" لوحظ وجود جزء من رأس "فيل" مع خرطومه وأنيابه وما تبقى منه مخرب، ويدل وجود المهر على عراقة منطقة الجزيرة والفرات كونها من الأماكن التي تعيش فيها الخيول العربية الأصيلة ما يدل على أصالة منطقتنا العربية.‏

الآثاري شاكر شبيب

القسم الثاني وإلى الأعلى من القسم الأول في الجهة الجنوبية الغربية من اللوحة لوحظ وجود حيوان خرافي من إبداع الفنان البيزنطي يمثل جسد حيوان مفترس له جناحان مع فم عبارة عن منقار لطير جارح ينقض على حيوان أليف تسيل من رقبته الدماء، وإلى جانب الحيوان الأليف نبتة يقابلها جزء لرأس حمار مع قوائمه الأماميتان والباقي مخرب».

كما التقينا الآثاري "شاكر شبيب" والذي تحدث عن أهمية الندوة وكذلك عن كيفية الاستفادة من وجود العلماء الأجانب بالقول: «هي فرصة كبيرة جداً وجود العلماء الإسبان والفرنسيين والبرتغاليين فهم مختصون بعلم الآثار ونحن نسعى للاستفادة من خبراتهم بالشكل الأمثل فكل بعثة أثرية مقسمة إلى جانبين، الجانب الأجنبي والجانب السوري».

وتحدث "شبيب" عن "تل السن" الأثري وعن أهميته قائلاً: «يقع هذا التل على الضفة اليسرى لنهر الفرات وعلى يمين الطريق الواصل بين مدينة "دير الزور" والبصيرة وهو نصف بيضاوي تقريباً وذلك بسبب وقوعه على الجرف المحاذي تماماً لنهر الفرات في ذلك الوقت من الزمن.

أما التل "الأكربول" يقع في الجهة الجنوبية من الموقع على ضفة النهر تماماً والسور يحيط بالموقع من الجهة الغربية والشمالية الشرقية.

الموقع هو مدينة بيزنطية على الحدود الشرقية للإمبراطورية ويتألف من عدة أقسام تضم مدينة مرتفعة وأخرى منخفضة وأسواراً على شكل خماسي تشبه تل الكسرة يحيط بها خندق عند عدد من المواقع يتوقع أنه كان يملأ بالمياه لحماية المدينة، وإن أسلوب بناء الحصن يشبه أمثاله في باقي المواقع العسكرية الواقعة على الحدود الشرقية للإمبراطورية البيزنطية في تل الكسرة والبصيرة وديار بكر».

وعلى هامش الندوة أقيم معرض فني يمثل بعض الأدوات والأزياء والحلي للملكة ماري والذي حدثتنا عن جوانب منه مصممة الأزياء "نزهة عبد المحسن" قائلة: «هذا المعرض يشرح جوانب من حياة مملكة ماري وهو يتناولها من عدة نواحي، منها الصناعات اليدوية كصناعة المنسوجات مثل السجاد والبسط وصناعة الأقمشة والألبسة وكذلك صناعة الحلي والمجوهرات والتي كانت تتميز بها ماري مثل القلائد الذهبية وقلائد الأحجار الكريمة المصنوعة من الحجر الكريم "اللازورد" وكذلك طرق تصنيع المواد الغذائية وتخزينها في جرار الفخار، كذلك الآلات الموسيقية المستخدمة في المملكة مثل الدفوف وبعض الآلات الوترية الأخرى والتي أشهرها القيثارة، كذلك قمنا بعرض أزياء مستوحاة من مدينة ماري ومن ضمن الأزياء، زي يمثل ربة الينبوع وزي أورنينا وزي لسيدة من ماري، حيث أضفنا بعض اللمسات المعاصرة».

والجدير بالذكر أن الندوة أقيمت تحت رعاية الدكتور "طه الخليفة" أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي بدير الزور ومكتب الأعداد والثقافة والأعلام الفرعي بالتعاون مع مديرية الثقافة ودائرة الآثار والمتاحف ومحافظة دير الزور وبحضور كل من الرفيق "مصطفى عبد القادر" عضو قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي، والآنسة "سهام الخاطر" عضو المكتب التنفيذي في المحافظة والمسؤولة عن قطاع الآثار واتحاد عمال المحافظة واتحاد الفلاحين والاتحاد النسائي واتحاد شبيبة الثورة، وحشد كبير من الحضور والمهتمين بالآثار والتراث الشعبي.