صدفة، وبينما كان جمعٌ من الفلاحين يحفرون لاستخراج حجر لوضعه كشاهدة قبر، ولم يعلموا أن هذا الحجر ما هو إلا تمثال ضخم يمثل إله الشمس "شمش" حامي "ماري" وهو تمثال نصفه الأسفل مخروطي الشكل وهو مزين بحزوز كحراشف السمك وكانت على الصدر بقايا لحية طويلة مجعدة ولكن الرأس مفقود... وبهذا تمكن حامي "ماري" من إعادة انتشالها من بين الأنقاض بعد أربعة آلاف عام.

"مملكة ماري" التي استعنا بما ذكره الكاتب "عبد الله الحلو" لتحديد موقعها، بقوله: «في حوض الفرات الأوسط بعد مدينة "دير الزور" وعلى مقربة من "البوكمال" حيث يأخذ مجرى النهر بالانعطاف نحو الشرق... هناك على ضفة الفرات اليمنى احتلت مدينة "ماري" موقعاً متميزاً يتوسط الهلال الخصيب ويشرف على سهوب البادية السورية».

في حوض الفرات الأوسط بعد مدينة "دير الزور" وعلى مقربة من "البوكمال" حيث يأخذ مجرى النهر بالانعطاف نحو الشرق... هناك على ضفة الفرات اليمنى احتلت مدينة "ماري" موقعاً متميزاً يتوسط الهلال الخصيب ويشرف على سهوب البادية السورية

بينما ألقى السيد "أمير حيو" مدير دائرة الآثار والمتاحف في "دير الزور" الضوء على هذه المدينة والمراحل التي مرت بها بالقول: «وصلت – ماري - أوج ازدهارها في مرحلتين، المرحلة الأولى في الألف الثالثة قبل الميلاد والمرحلة الثانية في الألف الثاني قبل الميلاد إذ كانت عاصمة لمملكة "عمورية" أكادية تحكمها السلالة العاشرة بعد الطوفان.

الأستاذ أمير حيو

حكم ملوكها أراضي ما بين النهرين أيضاً ولكنها خضعت في فترة ما لحكم "أنا توم" ملك "لا غاش" ثم دمرها ملك "أوروك" السومري "لوغا لزاغ غيرزي" في منتصف الألف الثالث، ثم نهضت وازدهرت من جديد إلى أن استولى الأكادي "سرجون أغاريا" ومن بعده حفيده "نارام سن" عليها وأسس سلالة من الملوك عددها 11 ملكاً، ليحكموا "ماري" بين 181 و197 من الأعوام، بعد ذلك حكمها "العموريون" وتذكر أقدم النصوص من عام 1980 ق.م أن الأمير "باجيت ليم" كان يحكمها وبعده أتى ابنه "يحدون ليم" الذي وصلت قواته حتى البحر الأبيض المتوسط ولكن الآشوري "شمسي حدد" استولى على "ماري" وقتل أفراد عائلته ولم يفلت من المجزرة سوى "زيمري ليم" الذي هربه أحد رجال البلاط إلى "يمحاض" أي "حلب" والتجأ إلى ملكها "ياريم ليم" كما نجت من أخواته ثلاثٌ خبأهن الأصدقاء من المذبحة، واستطاع أسر اثنتين من أخوات "زيمري ليم" وأرسلهما إلى العاصمة "آشور" ليجعل منهما مغنيات وعازفات في بلاطه وانتهت بذلك أخبارهم، بعد "شمسي حدد" صار "يشمخ حدد" ملكاً على "ماري".

أقام "زيمري ليم" عشرون عاماً في "يمحاض" وتزوج "شيبتو" ابنة الملك "ياريم ليم" واستطاع بعد ذلك استعادة عرش "ماري" وحكم بين 1775 1670 ق.م، أثناء ذلك جدد الملك "زيمري ليم" القصر ومعابد الآلهة.

عمليات التنقيب

كانت العلاقات بين "زيمري ليم" ملك "ماري" و"حمورابي البابلي" جيدة، وحكم "حمورابي" بين 1792 و1750 ق. م وذلك حسب الرسالة التالية التي أرسلها "حمورابي" إلى "زيمري ليم" والتي تشير إلى حسن تلك العلاقات: "أرسل لي جنوداً من عندك لأبلغ غايتي، وأنا أرسل لك جنوداً من عندي لتبلغ غايتك"، ولكن ذلك الحال لم يدم بينهما فحينما وسع "حمورابي" حدود دولته هاجم "ماري" مرتين الأولى في السنة الثانية والثلاثين من حكمه أي عام 1756 قبل الميلاد والثانية بعد سنتين، فهدم "ماري" وأحرق قصر "زيمري ليم" ولا يعرف ما حل بالملك وأفراد أسرته وانتهت "ماري" حوالي 1750 قبل الميلاد.

ومضت فترة من الزمن ليس "لماري" ذكر فيها حتى ظهرت أخبار ملوك صغار على بعد حوالي 100 كيلو متر عنها في مدينة "عانة" على "نهر الفرات" وكانت مع "ماري" تشكلان مملكة واحدة احتلها "الكاشيون" و"سلالة بلاد البحر" وأصبحت "ماري" بعد ذلك مستعمرة آشورية يحكمها الملك "شمش- رش-أوزرو" وكان مسالماً يزرع النخيل والثمر ويربي النحل.

أحد التماثيل المكتشفة في مملكة ماري

بعد الآشوريين أتى البابليون الجدد ولم يكتشف أي نص في "ماري" يشير إليهم، ولكن وجدت لوحة في المتحف البريطاني تؤرخ سقوط "نينوى" 612 قبل الميلاد أي نهاية العهد الآشوري.

وفي عام 312 ق.م استولى "السلوقيون" على "ماري" وصار اسمها "مير حان" وهو اسم أخذ من "مير" رب العاصفة في "ماري"، وانتهى عهد "السلوقيين" فيها عام 256 قبل الميلاد بعد هزيمتهم أمام "الفرس البارثيين"».

المراجع:

عبد الله الحلو، صراع الممالك في التاريخ السوري القديم، بيسان للنشر والتوزيع ، ص 165.