أطلق عدد من مثقفي الميادين نداء استغاثة لإنقاذ قلعة الرحبة، مما تخبئه لها المخططات الجديدة لمدينة الميادين، والتي يزمع مجلس المدينة تنفيذها بالقريب العاجل، ومنها إقامة المنطقة الصناعية داخل الحرم الطبيعي للقلعة.

تقع الرحبة على بعد 5 كم جنوب مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور، وقد عرفت ألقها التاريخي منذ عهد أميرها مالك بن طوق الذي أحسن سياستها وتنظيم شؤونها، حتى غدت في عهده الطريق الثانية للخلافة العباسية.

وقد عايشت الرحبة أحداثاً وتطورات عسكرية وسياسية خطيرة، كان منها اتخاذها عاصمة لأحد قادة الخلافة العباسية «البساسيري» ومنها انطلق لإسقاط الخلافة العباسية مدعوماً من الفاطميين، وقد تمكن من أسر الخليفة العباسي، فارضاً الحكم الفاطمي على بغداد، الأمر الذي عجزت عنه قوى ودول كثيرة..

آلت الرحبة إلى السلاجقة ثم إلى الأتابكة، وقد تعرضت لهزة أرضية أدت إلى تخريبها وتخريب مدن سورية أخرى كشيزر وسلمية، إلى أن دخلت في طاعة صلاح الدين الأيوبي وخلفائه، الذين أعادوا بنائها وتحصين قلعتها وأسوارها، لكنها سقطت مجدداً بأيدي التتار الذين خربوها مجدداً وفتكوا بسكانها.

في العهد المملوكي أدرك الظاهر بيبرس أهمية الرحبة في مواجهته مع التتار، فاستولى عليها وأعاد إعمارها، وبقيت في أيدي المماليك حتى آلت إلى العثمانيين مع كامل البلاد الأخرى في الشام والعراق.

edair-alzor التقى المهندس أسامة الرحبي، عضو جمعية العاديات، وسأله رأيه الهندسي بما يحضر لتنفيذه فأجاب: هناك إشكاليات فنية كثيرة تحد من إقامة المنطقة الصناعية في منطقة الرحبة أهمها وجود بعض المقاسم في مسيلات المياه، وانعدام إمكانية أي توسع مستقبلي في المنطقة، لوجود المنحدر الواصل مع منطقة البادية، وكذلك انخفاض المنطقة الواضح، الأمر الذي يلغي إمكانية إنشاء مجرور صرف صحي وربطه بالمجرور العام.

وأضاف الرحبي: المطلوب الآن إجراء دراسة لمنطقة التوسع، وإعداد مخطط تنظيمي جديد ليستوعب المنطقة الصناعية، وكل الفعاليات النافعة التي تخدم المدينة، ويستوعب الطلب المتزايد على الأراضي المعدة للسكن الشبابي والتعاوني ومساكن الادخار، وهناك أرض في الغرب متروكة يمكن تنفيذ منطقة صناعية فيها.

وللإحاطة أكثر بتفاصيل هذه القضية، توجه edair-alzor إلى السيد ياسر شوحان، رئيس دائرة الآثار والمتاحف بدير الزور الذي قال: لقد حُدِّد حرم الرحبة منذ عام 1960 وضمن هذا الحرم تقع بعض المواقع الأثرية، كمزار الشيخ شبلي ومزار الشيخ أنس ومزار الشيخ مزيج ومئذنة الشيخ علي، وبالتالي فإن منطقة القلعة منطقة أثرية ضمن سلسلة المواقع الأثرية، وهذا يعني أن إقامة منطقة صناعية تطوق القلعة أو جانبيها، سيؤدي مع الزمن إلى ذوبان الموقع.

وتابع شوحان قائلاً: التنقيبات التي أجريت على قلعة الرحبة، أثبتت أن هناك إمكانية وجود مواقع أثرية أخرى خارج القلعة وخارج حدود الحرم، وبالتالي فإن هذا الحرم نفسه قابل للتوسع، وهذا ليس غريباً.. ومثال ذلك دورا أوريوس «الصالحية» التي كان حرمها 1000م فأصبح اليوم 4 كم، وهو قابل للتوسع مستقبلاً، وحال الرحبة قد يكون حال دورا أوريوس وهناك ما يؤشر لذلك، كالجامع القديم على الشارع الرئيسي مباشرة، والقبور والمدافن التي قد تعود للفترة الآرامية وغيرها، ونحن اليوم نسعى لتخديم المنطقة سياحياً بالتعاون مع وزارة السياحة، ونعمل على إعادة تأهيل المزارات المحيطة بالقلعة، والاستمرار بأعمال التنقيب ومتابعة عمل البعثات السورية - الفرنسية المشتركة.

وأضاف شوحان: علينا توضيح أن حرم القلعة قد حُدّد كما قلنا في عام 1960 وأعيد تحديده عام 1987، وفي عام 2004 وسعنا الحرم الذي وزع على ثلاثة مواقع: الموقع «أ» ويمنع فيه البناء والزراعة بشكل كامل، والموقع «ب» الذي يسمح فيه بالزراعة الموسمية فقط، والموقع «ج» الذي يسمح فيه بالبناء لطابق واحد فقط على ألا يتجاوز ارتفاعه أربعة أمتار، وضمن الدراسات المعدة حالياً في المخطط الجديد لمدينة الميادين، فإن المنطقة الصناعية تقع في المنطقتين «ب» و«ج» وبالتالي ضمن حرم القلعة، وقد خاطبنا المحافظة لإعادة النظر في المنطقة الصناعية، وكذلك وزارة الثقافة، وذلك لمخاطبة مجلس مدينة الميادين بهذا الشأن.

ختاماً قال شوحان: بقي القول إن علينا اليوم أن نتطلع إلى المستقبل، وألا نفرط بالاستثمارات الاستراتيجية للأجيال القادمة، فإذا كان المناخ السياحي في المنطقة الشرقية ضعيفاً اليوم، رغم وجود أكثر من 25% من آثار سورية وتاريخها في هذه المنطقة، إلا أنها قد تشهد في العقود القادمة نشاطاً سياحياً، وبالتالي استثمارات وأموال ومشاريع سياحية.