شهد "الفرات" الأوسط قمة ازدهاره في فترتي البرونز القديم والأوسط، فتكثفت السكنى فيه، وخاصةً في الجزء الجنوبي حول مدينة "ماري" التي كانت مركز المنطقة السياسي والاقتصادي، فكان لابد من العناية بالزراعة لاستقبال هذه الزيادة السكّانية، وكان من المهم تطوير شبكات ومشاريع الري في هذه المملكة للوصول إلى كم أكبر من المنتجات الزراعية.

التقى موقع esyria الباحث "مازن شاهين " حيث أفادنا عن أهم مشاريع الري في مملكة "ماري" بقوله:

يتفرع عن هذه الاقنية الكبيرة شبكة من الاقنية الأقل عرضاً، وكان يرسل الماء بنظام عبر فتحات وإغلاقها حسب الضرورة، ليصل إلى الأجزاء الصغيرة من الملكيات العائدة للأفراد، ولها مصارف يمكن إغلاقها حسب الرغبة، وكان يجري هذا النظام من عملية السقاية على ضفاف الخابور أيضاً بنفس الطريق بالنسبة للأراضي الأكثر انخفاضاً، فعند ذوبان الثلوج في جبال الشمال تزداد كمية المياه، ويدخل "الخابور" في مرحلة الفيضان

«اهتم ملوك "ماري" بمشاريع الري، كما يظهر من وثيقة التأسيس لمعبد إله الشمس "شمّاس"، فقد ذكر "يخدن ليم" شق الأقنية من بين أعظم أعماله، وسميت سنوات حكم "زمرلي ليم" بسنة "زمرلي"، وقد مكن التطور التقني في تجهيزات الري الزراعي من تحكم الإنسان بمجمل المساحات الطميية من تجويف "ماري"، وكانت قنوات الري الكبيرة تأخذ مياهها من أعالي نهر "الفرات"، لتسمح بري جميع أراضي المصطبة "الهولوسونية " القديمة، والأراضي التي لاتتمكن مياه النهر من سقايتها وغمرها إلا في فترة الفيضان».

الباحث مازن شاهين

وتابع " الشاهين " قوله:

مخطط لمملكة ماري تظهر فيه شبكات الري

«وقد أبرزت أعمال الاستكشاف الشاملة لتجويف "ماري" ولمنطقة التقاء الخابور بالفرات وجود شبكة من الأقنية مع أنه لم تتضح بعد وظيفة القناة التي تنساب عند سفح جرف ضفة النهر اليمنى، بينما عرف أن مهمة القناة الثانية كانت تقوم على إيصال مياه الري إلى مصطبة نهاية الطور الجيولوجي الرابع الواقعة على ضفة الفرات اليمنى بشكل يتأمن مع إنتاج الحبوب اللازمة لاستهلاك المملكة، ويحتمل أن يكون قد جرى ربط تلك القناة بسد أقيم في وادي "الصواب" لتأمين المياه في نهاية فصل الشتاء، وتربط القناة الأخرى "الخابور" عند نقطة السجر بالفرات عند مستوى "أبو كمال"».

وأضاف:

«جرى شق هذه القناة حسب الظروف عبر الهضبة أو بمحاذاة الجرف بطول /120/ كم، وتقوم مهمتها الأساسية على تأمين الملاحة، وبالتالي تسهيل التبادل التجاري بين منطقة الخابور وبلاد الرافدين عبر تجويف "ماري"، وكذلك من مهامها تزويد شعب أقنية الري بالمياه، وهناك القناة التي تصل بين مدينتي "ساغارتوم"، و"ماري"، والقناة التي تنتهي عند مدينة "ترقا"، أو مايسمى تل "العشارة "، وتعملان على تأمين السقاية وكبح جماح النهرين، وربما يكشف عن قناة واسعة للري أو الملاحة على بعد /3/كم إلى الشرق من تل "الحريري"».

كانت عمليات السقاية تتم وفق نظام معين حدثنا عنه قائلاً:

«يتفرع عن هذه الاقنية الكبيرة شبكة من الاقنية الأقل عرضاً، وكان يرسل الماء بنظام عبر فتحات وإغلاقها حسب الضرورة، ليصل إلى الأجزاء الصغيرة من الملكيات العائدة للأفراد، ولها مصارف يمكن إغلاقها حسب الرغبة، وكان يجري هذا النظام من عملية السقاية على ضفاف الخابور أيضاً بنفس الطريق بالنسبة للأراضي الأكثر انخفاضاً، فعند ذوبان الثلوج في جبال الشمال تزداد كمية المياه، ويدخل "الخابور" في مرحلة الفيضان».

وهناك نظام وقائي للحيلولة دون وقوع خسائر أثناء الفيضانات أفادنا عنه بالقول:

«استهدف النظام الوقائي من سدود وقنوات إلى تلطيف الفيضان والسيطرة عليه وحماية التربة الزراعية والمحاصيل من الانجراف، وقد جهز بشبكة من القانية والحفر والجداول الصغيرة التي تستخدم للسقاية المنظمة للأراضي، وتطلب هذا النظام اشتراك الجميع تحت سلطة المختصين، وتحت مراقبة مستخدمي الدولة، ويعد حاكم المنطقة المسؤول الأول في إقليمه عن تأمين ومراقبة حسن سير العمل، وعليه اتخاذ القرارات اللازمة دون منازع، لاسيما فيما يتعلق بالصيانة وتنظيف القانية وترميمها وحفر القانية الجديدة، ونجد مثالاً على التكليف بهذه الأعمال حين يجمع حكام "ترقا" أشخاص من المنطقة، ويخصص من بينهم أناس للعمل في القنوات، ويطلب في بعض الأحيان النجدة من اليد العاملة من منطقة "ماري"، ونعرف من خلال نصوص "بخدي ليم" أن إصلاح قناة يتطلب عدداً كبيراً من اليد العاملة يبلغ بحدود /2000/ رجلاً ».

المهندس "سامر الخلف" قال:

«شبكات الري في مملكة "ماري" نموذجاً لهندسة الري، حيث كانت تستخدم في إرواء الحقول الزراعية والتحكم في منسوب المياه الداخلة إلى المملكة، وكذلك سيطرت هذه الشبكات على فيضانات النهر التي كانت تحدث في فصل الربيع أثناء ذوبان الثلوج في "تركيا "، مما حافظ على الأراضي الزراعية والمحاصيل من الانجراف، وزاد في غلة المحاصيل وخاصة الاقتصادية منها، وصممت هذه الأقنية لإيصال المياه بشكل سهل وكذلك تأمين صيانتها بالشكل الأمثل».