الطرق على "النحاس" من أقدم وأهم الحرف التقليدية التراثية في "دير الزور" فهي تعكس براعة صانعها وذوقه من خلال دقة المنتجات وصقلها، وتناسق أبعادها، ودرجة نقاوتها، وجمالية زخارفها.

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 15/11/2012 الحرفي "محمود عواد" أحد الشباب الذين تعلموا العمل بالنحاس من أقربائه والذي تحدث قائلاً: «تعلمت المهنة منذ كنت في الخامسة عشرة من عمري، وبعد أن تعلمت صناعة مصبات القهوة المرة والدلال، اتجهت لتعلم إدخال النحاس في أي شيء تقريباً لاستخدامه في أغلب الأمور، إلا أن هذه المهنة تراجعت مع دخول معادن أخرى على صناعة الأدوات المنزلية، ما دفع الناس للاستغناء عن أوانيهم النحاسية في ضوء ارتفاع سعرها أيضاً».

من أهم متطلبات المهنة إضافة لتوافر مادة النحاس كأساس للعمل، أن يمتلك الحرفي حسّاً فنياً يساعده في تصميم الأشكال والنقوش، وتتوقف المدة اللازمة لتعلم المهنة وإتقانها على ذكاء الشخص

وأضاف "عواد" بالقول: «من أهم متطلبات المهنة إضافة لتوافر مادة النحاس كأساس للعمل، أن يمتلك الحرفي حسّاً فنياً يساعده في تصميم الأشكال والنقوش، وتتوقف المدة اللازمة لتعلم المهنة وإتقانها على ذكاء الشخص».‏‏

القدور النحاسية المستخدمة لدى اهل الريف

رغم ما يبدو في هذه المهنة من بساطة كحرفة، إلا أن الواقع فيها غير ذلك فهي عملية إبداع عقلي، عضلي، إنتاجي مشترك وتحتاج إلى كثير من المهارة والخبرة والدقة والمتابعة المتميزة بالصبر، وحيث إن الإبداع مضمون فكري، فقد تميزت القدرة في هؤلاء المبدعين على تحويل الإبداع من حيز العقل إلى الواقع المشاهد والنتاج الملموس.

وأشار "عبد الرحمن حسون" أحد بائعي النحاس في "الدير" بالقول: «دقة الصناعة، وأعمال الزخرفة، وقدم القطعة، واسم الصانع، تلعب دوراً كبيراً في تحديد سعر شراء أو بيع القطعة، فمثلاً يصل سعر مجموعة دلال القهوة العربية من صنع "مزعل النحاس" المولود عام 1945 والذي برع في هذه الحرفة، وانفرد في طريقة صناعتها من قطعة نحاسية واحدة دون لحام خلافاً لغيره من الصناع والحرفيين إلى 300 ألف ليرة سورية، في حين لا يتجاوز سعر مثيلاتها 50 ألف ليرة، ويعود اختفاء مهنة النحاسين من المحافظة بشكل أساسي إلى ظهور مواد أقل تكلفة وأكثر سهولة في التنظيف مثل الألمنيوم والستانلس وغيرها».‏‏

في سوق الحدادين بدير الزور

وعن الأدوات المستخدمة في التصنيع أشار "حسون" بالقول: «المادة الأساسية في الصنع هي صفائح النحاس التي كان ولا يزال الحصول عليها من "حلب"، ومن الأدوات المستخدمة فيها "الكور" و"الفرجار" و"المطرقة" المتعددة الرؤوس و"المهام" و"السندان" المتنوع الأشكال والحجوم بحيث لكل قسم منها مهمة خاصة في العمل، إضافة إلى "الملقط" و"النايات"».‏‏

وأضاف بالقول: «تمتاز "الدلة الفراتية" بأنها مكونة من قطعة واحدة دون لحام أي "الجسد بما فيه فوهة السكب"، في حين أن جسم الدلال في المناطق الأخرى ذات قطع ملحومة مع بعضها بعضاً، وهذا ما يعرضها للتفكك على النار القوية بينما الدلة "الفراتية" تزداد تماسكاً مع شدة النار، كما تمتاز "دير الزور" بأنها لا تزال تضم صناعة الأواني النحاسية "كالقدور"، "والقدرية"، و"الطنجرة النحاسية"، و"الصواني"، و"الأباريق"».‏‏

السيد "يوسف المحيمد" أحد المهتمين بالنحاس القديم قال: «إن الصيغة التكاملية للنحاسين من خلال الربط بين الخيال والصورة المنعكسة بفعل العمل والحركة الدقيقة في القياس، تجعل الناظر مشدوداً لمدى القدرة على تحويل القطعة المستقيمة إلى شكل فني وفق عملية متراكبة ومتتالية من الجمع إلى الحضر فالسحق فالتنعيم، لتخرج بعدها القطعة المصنوعة تحفة فنية رائعة وتدل على عمق الجهد المبذول والمهارة العربية الفائقة المتميزة».‏‏

وتتكامل حرفة الطرق على النحاس مع "التبييض" ويدعى العامل بها "رباب"، ويقوم الحدادون بتصنيع القطع التابعة للقدور "كالمحماس" و"المنقل" و"ملقط الجمر"، ولقد شكل إنتاج الأدوات علاقات اجتماعية اقتصادية مزجت بين المهنة والطابع الاجتماعي كصيغة فعل تطوري تاريخي اقتصادي ربط بين أبناء المدينة والريف والبادية بشكل تفاعلي كبير.