اجتذب الإنسان للسكن على ضفافه منذ عصور ما قبل التاريخ، وما يدل على ذلك الأدوات الصوانية المختلفة التي عُثر عليها في منطقة الفرات والتي تعود إلى نصف مليون عام، فهو المهد الأساسي لابتكار الزراعة المروية قبل حوالي 12 ألف عام.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30/1/2013 المعمر "وليد العلي" الذي تحدث عن "نهر الفرات" بالقول: «يعتبر "الفرات" الأساس في نشوء الحضارات القديمة، فقد كان مركز استقطاب للسكان وخاصة أنه يمر في إقليم صحراوي يعاني من الجفاف، ولذلك كان منذ القدم ولا يزال يمثل العمود الفقري للاستقرار البشري، إذ نشأت على ضفافه مئات من المستقرات الريفية وعشرات من المدن ذات التاريخ العريق، فلوادي الفرات شهرة مستفيضة في العصور القديمة والسبب يعود إلى أنه طريقاً مائياً سلكته سفن شعوب كثيرة».

تؤلف مياه الفرات نحو 87% من مجموع الجريان السنوي للأنهار السورية، وتتألف تربة الوادي من الرواسب تتراوح بين الطمي والغرين الرملي والصلصال، وهي مع الري تصبح مناسبة لزراعة القمح والشعير والذرة والقطن والشوندر وفستق العبيد وغيرها

وأشار الباحث المرحوم "عبد القادر عياش" عن وادي الفرات بالقول: «كان يمر به أهم طريقين في المملكة العباسية الأول الطريق الممتد بين الموصل وحلب عبر الجزيرة الفراتية والطريق الثاني يعرف في التاريخ الإسلامي بالشامية، ليس بين الوديان ما يضاهي وادي الفرات في المساحة وغزارة المياه وخصوبة الأرض وتاريخ مجيد وحضارات قديمة مشهورة».

يتابع: «كان يسمى من قبل شعوب المنطقة النهر الكبير، كما كان الحد الفاصل بين الشرق والغرب بين بلاد آشور وبابل وبلاد شمال أفريقيا، وكانت كل من هاتين القوتين تسعيان لامتلاك الأراضي الواقعة بين وادي النيل والفرات، وقد شهدت ضفاف هذا النهر معارك عديدة أشهرها المعركة التي انتصر فيها "نبوخذ نصر" الكلداني على فرعون نخو المصري 605 ق.م، كما ذكر الفرات مرات عديدة في الكتب المقدسة لما له من دور حيوي في حياة سكان بلاد ما بين النهرين قديماً وحديثاً».

وحول جغرافية نهر الفرات تحدث الباحث "وليد مشوح" قائلاً: «تؤلف مياه الفرات نحو 87% من مجموع الجريان السنوي للأنهار السورية، وتتألف تربة الوادي من الرواسب تتراوح بين الطمي والغرين الرملي والصلصال، وهي مع الري تصبح مناسبة لزراعة القمح والشعير والذرة والقطن والشوندر وفستق العبيد وغيرها».

وأضاف: «يجري نهر الفرات في منطقة السهل الرسوبي بشكل ملتوٍ وهو يخضع لنظام الأنهار الملتوية في طبيعة عملياته كالتعرية والترسيب، وبسبب انخفاض معدل الانحدار في هذا الجزء من السهل فإن مجرى النهر يتعرض للانتقال الدائم جانباً مما يدفع النهر إلى ترك مجراه القديم أو التواءاته مختاراً مجرى جديداً بجوار المجرى القديم.

كما تكثر في الفرات الحوائج والتي تتشكل من التربة التي ينقلها النهر أثناء فيضانه ونمت فيها أشجار ونباتات طبيعة، وتتميز هذه النباتات بكثافتها وأوراقها الطويلة والرفيعة كالحور الفراتي والصفصاف والطرفاء وعرق السوس والغَرَبْ والحلفاء والزلّ والرز والكينا والزيزفون لأنها نباتات لا تنمو إلا في الأماكن التي تتوافر فيها المياه بشكل دائم».

"نهر الفرات" من غوغل إرث

وبين الأستاذ "مروان خضر" حول طول نهر الفرات حيث قال: «يبلغ طوله 2400 كم، نصيب سورية منه 675 كم، وتصب في الفرات جميع أنهار الجزيرة كالخابور والبليخ والساجور، كما تنتهي عنده جميع الوديان الصحراوية كوادي المياه ووادي الصواب ويطلق على الأراضي الواقعة إلى يمينه اسم الشامية "لأنه يصلها بالشام"، ويحتفظ النهر باسمه الفرات منذ العصور القديمة، فالاسم يرد كما هو في النصوص المسمارية الأكادية والبابلية وغيرها مثل رافديه الخابور والبليخ».

ويتمتع "وادي الفرات" بمجموعة من النواحي الخصبة سواء النواحي العلمية أو التراثية والتاريخية وجميعها خصبة بالموارد، وهنا أشار الباحث الآثاري "رامز علوني" عن حضارة وادي الفرات قائلاً: «كشفت الحفريات الآثارية مؤخراً عن مدن قديمة هامة في وادي الفرات غيرت كثيراً من مفهوم العلماء عن الحضارات القديمة، فوادي الفرات غني بآثار الحضارات القديمة وتعدد أصولها وتنوعها وأهميتها وشهرتها التي منحت مدينة ماري شهرة واسعة، ولا يشكل مكان التنقيب إلا جزءاً صغيراً من المدينة اقتصر على القصر الملكي فيها».

أضاف: «هذه الآثار الباقية والبادية للعيان في الفرات هي عبارة عن مغاور وكهوف من صنع إنسان ما قبل التاريخ، وتلال اصطناعية مجللة بحطام آنية فخارية بألوان مختلفة، وطرق قديمة مرصوفة بالحجارة من مختلف العصور، وبقايا ترع وسدود وجداول نهرية، وبقايا ركائز حجرية لنواعير ومطاحن مائية على ضفاف الفرات، وحمامات كبريتية تقع على الفرات مباشرة، وآبار قديمة، ومدافن أرضية، وأبراج جنائزية مختلفة البناء، وأطلال قلاع وحصون على الهضاب المحاذية للنهر».