"البصيرة" مدينة عميقة الجذور في التاريخ، تتميز بجمال طبيعتها وخصوبة أراضيها، وتقع لجهة الشرق من مركز محافظة "دير الزور" على بعد 43 كم عند ملتقى نهر "الخابور" بنهر "الفرات"، وهي من أهم الحواضر في المنطقة، لذا فهي تستحق بجدارة لقب عصفورة النهرين.

eSyria التقى الباحث "مازن شاهين" والذي أعطانا ملخصاً عاماً عن ناحية "البصيرة" بقوله: «بداية سوف أتكلم عن أصل التسمية: إذ يروى أن اسمها "تاباكان" ثم أصبح اسمها "شوبرا"، في عهد الآشوريين "تركسيون" سماها الرومان "سيرسيوم"، عندما فتحها العرب كان اسمها "قرقيسيا" نسبة إلى "قرقيسيان" الملك "طهمورث"، وهناك روايات كثيرة حول تسميتها كتلك القائلة: سميت "البصيرة" كناية إلى "البصرة" في العراق أو إلى المكان البصير أو المرتفع، و"البصيرة" مدينة تاريخية قديمة، وكانت عامرة زاهرة وافرة الثروة كثيرة السكان، حيث بلغ عدد سكانها في العهد الروماني 60 ألف نسمة.

بلد على نهر الخابور قرب "رحبة مالك بن طوق" على بعد ست فراسخ وعندها مصب الخابور بالفرات

ذكرها "ابن حوقل" فقال: «لها بساتين وأشجار وفواكه».

الأستاذ ضرار أحمد المحمد مدير المركز الثقافي في البصيرة

وقال عنها "ياقوت الحموي": «بلد على نهر الخابور قرب "رحبة مالك بن طوق" على بعد ست فراسخ وعندها مصب الخابور بالفرات».

في العام الثالث للهجرة مر بها القائد "خالد بن الوليد" عندما كان قادماً من العراق.

الأستاذ عبد القادر سلامة أثناء العمل في الفخار

فتحت "قرقيسيا" في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه- على يد "عياض بن غنم" وقائده "سهل بن عدي"، وأصبحت قاعدة للجيوش العربية الإسلامية لإدارة بلاد الخابور، وازدهرت في العصر الأموي إذ سكنها بنو "كلاب"، واعتصم بها "زفر بن الحارث الكلابي" أيام "مروان بن الحكم".

أضمحل دورها في العصر العباسي وأصبحت بلدة تابعة للرحبة.

الشاعر مهند شعلان الخالدي

ولمعرفة ما يتبع لهذه الناحية من قرى، وكذلك عدد سكانها، وبماذا تشتهر التقينا السيد "إسماعيل الرزج" وهو من أبناء البصيرة "موظف في مديرية الاتصالات"، فقال لنا:

«تتميز البصيرة بجمال طبيعتها بحكم مرور نهري "الفرات" و"الخابور" فيها، فنشاهد مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة ذات الإنتاجية المميزة، وتعتبر "البصيرة" من الوجهة الإدارية مركز ناحية ويتبع لها "16" قرية ومزرعة، ويبلغ عدد سكانها 23 ألف نسمة، ومساحة مخططها التنظيمي "810 هكتارات".

تشتهر بالزراعة وصناعة الفخار والبسط، كما تشتهر بصناعاتها اليدوية القديمة مثل صناعة الفخار والبسط.

يتصف السكان بحرصهم على ما توارثوه من عادات وتقاليد أصيلة، فهم دائبون على أخلاقهم الحميدة وخصالهم الفضيلة».

لأبناء "البصيرة" تاريخهم المجيد في سجل الخالدين لما قدموه من شهداء أبرار في سبيل عزة وكرامة الوطن وحماية أرضه وسمائهِ، عبر مراحل تاريخه المختلفة في مواجهة الاستعمار، فمن هؤلاء الشهداء الأبطال ذكر لنا الشاعر "مهند شعلان الخالدي" وهو من أبناء "البصيرة" إذ يقول: «لا يمكن أن أذكر كل شهداء "البصيرة" فهم كثر لذا سأذكر بعضهم مع السنوات التي استشهدوا فيها: كالشهيد "خلف حمادة الحسن"- 1948، الشهيد "هلال المحمد العلي"- 1973، الشهيد "أحمد حاجي الغدو"- 1973، الشهيد "هاشم عواد الخلف"- 1973، الشهيد "خليل مدحان الخلف"- 1973، الشهيد "محمود عبد الله السليمان"- 1973، الشهيد "جاسم محمد المحمد"- 1973، الشهيد "علي هيجل الخليف"- 1976، الشهيد "محمد دحام الجزاع"-1978، الشهيد "مظهور مداد السرور المداد"- 1980، الشهيد "محمد حسين الحمود"- 1982، الشهيد "أكرم صالح العثمان"- 1982، الشهيد "عباس حمادي الشاهر"- 1982 ، الشهيد "نعيم خلف اللجي"- 1985».

ويوجد في "البصيرة" كثير من المرافق والمؤسسات الحكومية أوجزها لنا السيد "محمد السحور" وهو من أهالي هذه الناحية بقوله: «يوجد في "البصيرة" العديد من المرافق المهمة كبنى تحتية إذ تضم: مركزا ثقافيا، مركز هاتف، مركز كهرباء، مركزا صحيا، مركز بريد، مركز عمران، مركز توجيه تربوي، صالة استهلاكية، وحدة مياه، مركز نفاذ للمعلوماتية، رابطة نسائية، مصرفا زراعيا، مصلحة زراعية، وحدة إرشادية، وحدة وقاية مزروعات.

وتضم الناحية العديد من المساجد منها على سبيل المثال: "الصالح"، "البصيرة" القديم، "الصفا"، "البو فهد"، "الرواكع"، "العابد".

أحدث فيها عام 1968م مجلس بلدي وقام بتنفيذ العديد من المشاريع الخدمية، من صرف صحي وتعبيد الطرق وإنارة الشوارع العامة».

أما عن الثروة النباتية والحيوانية الموجودة في "البصيرة" فأخبرنا المهندس الزراعي "لؤي الأبكع" بقوله تتميز "البصيرة" بأنها منطقة زراعية خصبة تشتهر بزراعة القطن والحبوب والخضراوات إلى جانب تربية المواشي، حيث تبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة "1155 هكتارا" وأعداد ثروتها الحيوانية من الأغنام "29 ألف رأس" ومن الماعز "65 رأسا" ومن الأبقار "1750 رأسا"».

وتتميز "البصيرة" بصناعة الفخار، وذلك لوجود الطينة المناسبة لهذه الصناعة في أراضيها، وللتعريف قليلاً بصناعة الفخار في "البصيرة" التقينا الباحث الأستاذ "عبد القادر سلامة" مدير الثقافة في محافظة "دير الزور"، والذي ملك أهله معملاً للفخار في هذه المدينة، وكان يدير هذا المعمل بنفسه، فتحدث قائلاً: «في "البصيرة" المهنة متوارثة في عائلتي، وموقع "البصيرة" ومثالية الطين في المنطقة جعلها تتميز بهذه الصناعة حتى إن صانعي الفخار المحترفين يأخذون الطين منها إن أرادوا الإتقان، وهنا أذكر أنه يوجد معمل واحد في المنطقة هو المعمل الذي كنت أديره وكان يسد احتياجات "دير الزور" ويصدر إلى "الحسكة" و"الرقة" أيضاً، وكان المعمل وحده كافياً ويغطي هذه المناطق وذلك بسبب قدرة العامل الواحد في المعمل على صنع 100 قطعة في اليوم، ولكن في العقود الأخيرة تم افتتاح أكثر من مفخرة أي معمل للفخار في "دير الزور" وفي "الرقة" ولكن بإشراف أبناء "البصيرة" أو أشخاص تعلموا فيها صناعة الفخار».

وفي هذه الناحية العديد من الأدباء والباحثين ذكر لنا منهم الأستاذ "ضرار محمد" مدير المركز الثقافي في "البصيرة" على سبيل المثال لا الحصر: «عرفت البصيرة الكثير من المبدعين سواء في مجال البحث أو الأدب أو الفن التشكيلي فمن شعراء البصيرة نذكر الشاعر "فاروق الحميد" الذي أصدر عدة مجموعات شعرية منها: "تباً لي ... تباً لهذي الأنقاض"، "الشعراء في الهاوية"، "أوزان وخوابي". ومن الباحثين نذكر الباحث "عبد القادر سلامة"، وكذلك الباحث "محمد غدو الصالح السليمان" الذي أصدر: "الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث".

أما الفن التشكيلي فنذكر الفنان التشكيلي "زكريا اللجي" وهو خريج كلية الفنون الجميلة ، جامعة "دمشق"».