يُعتبر مسجد "العلوة" واحداً من الشواهد التاريخية الكثيرة على قِدَمِ البناء العمراني لمدينة "الميادين" لما يحمله هذا المكان المُقدس من ذكريات للماضي البعيد؛ فجدرانه المبنية من أحجارٍ متراصة تُذكرنا بقلاعٍ وحصونٍ شهدت معارك وغزوات تاريخية للأمم السابقة التي سكنت المنطقة قبل عشرات السنين؛ أما مئذنته التي أصابها الميلان وأصبحت فيما بعد نقطة علام للأغراب الذين مرّوا بها؛ فلا تزال شامخة تحرس وتُنبئ من بجوارها بتلبية ندائها للصلاة منذ بزوغ الفجر وحتى وداع الشمس، ليست هذه أحجية بحاجةٍ لمن يفك عقدتها؛ بل حكايةُ دارٍ للعبادة عمرها قرابة قرنٍ ونيّفٍ من الزمن.

لا يعلم أحدٌ من السكان الحاليين لمدينة "الميادين" ما هو البناء الذي كان مشيّداً اليوم بدلاً من هذا المسجد لولا وقوف أحد أبناء المدينة في وجه من أرادوا هدمه لتوسيع الطرقات قبل نصف قرن من الزمن؛ إذ يقول الشيخ "خلف نجم العبيد" خطيب مسجد "العلوة":

في عام /1972/م قررت البلدية هدم المسجد لفتح وتسوية الطرقات؛ لكن والدي رفض تنفيذ الإنذار وبعد نقاشٍ حاد مع رئيس البلدية اضطر والدي لضربه ودخل على أثر الحادثة السجن، بعد خروجه بعث برسالةٍ خطية إلى الرئيس "حافظ الأسد" يشرح له الأمر؛ وبالفعل جاء الرد سريعاً من سيادته وأمر بإبقاء المسجد في مكانه

«في عام /1972/م قررت البلدية هدم المسجد لفتح وتسوية الطرقات؛ لكن والدي رفض تنفيذ الإنذار وبعد نقاشٍ حاد مع رئيس البلدية اضطر والدي لضربه ودخل على أثر الحادثة السجن، بعد خروجه بعث برسالةٍ خطية إلى الرئيس "حافظ الأسد" يشرح له الأمر؛ وبالفعل جاء الرد سريعاً من سيادته وأمر بإبقاء المسجد في مكانه».

الشيخ "خلف العبيد" خطيب مسجد "العلوة"

ويضيف الشيخ "خلف": «تبلغ مساحة المسجد /300/م2 وقد كان المسجد على شكله القديم عبارة عن قببٍ قديمة عددها /6/ مع مئذنة مائلة؛ لم يكن أحدٌ من المصلين يؤمها بسبب تشقق جدرانها وقابليتها للانهيار في أية لحظة لذلك بقيت مهجورة حتى قبل /130/ عاماً عندما قام جدي ببناء مئذنة جديدة بدلاً من القديمة وأصلح الأقسام الباقية من المسجد حتى أصبح ملائماً لممارسة العبادات».

بدورهِ تحدث الباحث التاريخي الأستاذ "جاسم الهويدي" عن ظروف بناء هذا المسجد قبل عدة عقود؛ قائلاً: «في عام/1170/م وعندما أصاب المدينة القديمة زلزالٌ مفاجئ اضطر سكانها اللجوء إلى قلعة "الرحبة" التي تبعد نحو /7/ كم عن موقع المدينة؛ وبعد فترةٍ من الزمن أُجبروا للانحدار من هناك بسبب انحسار مياه نهر "سعيد خير الأموي" والاستقرار في "العلوة" أو "الميادين" وبما أن هؤلاء السكان كانوا يعتنقون الديانة الإسلامية فكان لا بد من وجود دار عبادة يمارسون من خلالها عباداتهم اليومية؛ وبالفعل تم بناؤه وذلك في عام /1864/م وأطلق عليه مسجد "العبيد" نسبةً إلى الرجل الذي قام ببنائه واسمه "شيل العبد الله العبيد" من قبيلة "المشاهدة" وكان مبنياً وفق نمطٍ عثماني قديم على شكل قُببٍ مبنية من الجص والطين والقرميد الأحمر الذي كان يؤتى به من قلعة "الرحبة" وبفعل عوامل الطبيعة والزمن مالت المئذنة وبقيت فترة من الزمن إلى أن تم ترميمها فيما بعد».

السيد "عباس التمو"

ويشير السيد "عباس التمو" في كتابه "عشيرة المشاهدة" إلى قِدم هذا المسجد على لسان أحد المستشرقين الذين زاروا المنطقة؛ حيث جاء في الصفحة /249/ ما يلي:

«تقول الرحالة البريطانية "آن بلنت" في مذكراتها: (خيّمنا على بُعد نصف ميل من قرية "الميادين" التي كانت شبه جزيرة؛ حيث العشب الأخضر.. وكانت السماء صافية والليل تُزينه النجوم في مكانٍ كنا نشاهد منه "الميادين" بوضوح بمئذنتها المائلة؛ وقمنا بربط الجياد قريباً منا ورؤوسها داخل الخيمة وقيّدنا أعقابها بحبالٍ حتى لا تدخل كلياً إلى الخيمة...».

لوحة حجرية موجودة في أسفل المأذنة محفورٌ عليها تاريخ ترميمها عام /1319/ه

كما جاء في الصفحة الثامنة من العدد /1737/ من صحيفة "الفرات" بقلم الزميلة "عتاب ضويحي" ما يلي:

«يعتبر مسجد السيد "عبيد" أو جامع "العلوة" من أقدم المساجد في مدينة "الميادين"؛ يعود تاريخ بنائه لعام/1864/م على يد السيد "عبيد بن حمد الشيل المشهداني" مستخدماً القرميد الأحمر المربع ومتخذاً القباب تصميماً معمارياً للمسجد قبل أن يتغير لشكله الحالي ويحصل فيه آخر ترميم في سبعينيات القرن الماضي؛ أما مئذنته فقد أصابها مَيَلان على ارتفاع متر ونصف المتر ميّزت مدينة "الميادين" وفي عام /1319/ هجري قام السيد "عبد الله بن عبيد" ببناء مئذنة للجامع من القرميد الأحمر ويمكن لها أن تصمد على وضعها الحالي لأكثر من /100/ سنة قادمة».