تحتفظ الكثير من الأماكن بخصوصية ما في أذهان أهلها وربما في أذهان العابرين وتزداد الخصوصية مع استمرار التواصل مع تلك الأمكنة والتردد عليها، ولكن قليلة جداً هي الأماكن التي بإمكانها أن تحافظ على تلك المكانة حتى بعد إزالتها من الوجود، وربما يكون هذا هو حال الجامع الكبير في "دير الزور" وتحديداً فيما كان يسمى منه "بالدير العتيق" والذي يجده من يبحث في تاريخ "الدير" وتراثها حاضراً في ذهن كل من يتحدث عن "الدير" أيام زمان أو يكتب عنها.

للتعرف على الأسباب التي أدت على إعطاء هذا الجامع تلك الأهمية عند أبناء "دير الزور" التقى eSyria أولاً بأحد أبناء "الدير" من كبار السن السيد "زهير العلي" الذي أفادنا بالقول:

ظل المتصرفون في مدينة "دير الزور" يقيمون صلاة الجمعة والأعياد فيه بصفته الجامع الكبير إلى أن تم بناء "الجامع الحميدي" فيما بعد حيث انتقلت إليه صلاة الجمع والأعياد وذلك لكون "الجامع الحميدي" أكثر اتساعاً من الجامع الكبير إلا أن هذا لم يقلل أبداً من مكانة هذا الأخير

«جاءت أهمية هذا المسجد بالدرجة الأولى من قيمته التاريخية كونه أقدم الجوامع "بالدير العتيق" هذا هو السبب الأول أما السبب الثاني فيأتي من أهمية "الدير العتيق" عموماً عند أهالي "الدير"، والظلم الذي شعروا به في الستينيات من القرن الماضي حين تم هدمه بشكل كامل، وهذا ما دفع الكثير من الفنانين من رسامين وأدباء إلى تصويره والحديث عنه في أعمالهم الأدبية والفنية حتى لا يكاد يخلو معرض تراثي من صورة للجامع الكبير احتفظ بها الفنان في ذاكرته وأراد أن يخلدها في لوحته».

السيد زهير العلي

وعن موقع الجامع حدثنا الباحث "غسان رمضان" بالقول:

«الجامع الكبير شيّد في "الدير العتيق" الذي كان يعني وقتها كل "دير الزور" ويقع تحديداً في الجهة الشرقية منه، ويعد بلا منازعٍ الجامع الأشهر في المدينة، وله المكانة الأبرز لدى كل من يهتم بالتراث في "دير الزور".

الباحث عمر صليبي

أما حول وصف الجامع الكبير فهو مستطيل الشكل يصل طوله بما في ذلك باحة الجامع إلى حوالي 30 مترا وعرض 15 مترا، ولهذا الجامع بابان الأول من جهة الشرق والآخر من جهة الشمال، أما عن سقف المسجد فقد كان في أول بنائه من الخشب، بينما نوافذه والمصنوعة أيضاً من الخشب فقد كانت طولانية ومتقاربة.

له مئذنة مميزة مبنية من الآجر ومثمنة الشكل، وأما البناء فقد كان يلتصق بالمئذنة دون وجود فاصل بينهما ويأتي في أعلى المئذنة المثمنة برواز دائري يحيط به سور من الحديد بينما تعلو المئذنة قبة مقرنصة.

وكان بناء المسجد عموماً من الحجر والآجر وساحته في الجهة الشمالية، أما الموضأ فقد كان في الشمال الغربي من البناء».

ومن الجدير بالذكر أن أهمية هذا الجامع جعل أهل "الدير" يذكرون من كان يقوم على خدمته ومن يسير أموره من إمام وخطيب ومن ذلك ما ذكره الباحث "عمر صليبي" بالقول: «ذكر الرجال الذين اتصلنا بهم أن مؤذن الجامع في نهاية العصر العثماني كان يدعى "الملا مشعل" أما إمام وخطيب الجامع في أواخر العصر العثماني أيضاً فقد كان السيد"ملا أحمد عبد الحميد الخريصي الخفاجي"، والذي كان قد ولد في "دير الزور" عام 1880 م وتسلم أمور المسجد وعمره ثمانية عشر عاماً وعرف بصلاحه وتقواه ولم أسمع عنه إلا كلمة واحدة كانت تتردد على الدوام وهي رحمة الله لقد كان ذا سلوكٍ يحتذى به».

ومما يميز الجامع كما ذكر الأستاذ "الصليبي" أنه: «ظل المتصرفون في مدينة "دير الزور" يقيمون صلاة الجمعة والأعياد فيه بصفته الجامع الكبير إلى أن تم بناء "الجامع الحميدي" فيما بعد حيث انتقلت إليه صلاة الجمع والأعياد وذلك لكون "الجامع الحميدي" أكثر اتساعاً من الجامع الكبير إلا أن هذا لم يقلل أبداً من مكانة هذا الأخير».

ومن الجدير بالذكر أن الكثير من فناني "دير الزور" رسم الجامع الكبير ومن ذلك الصورة الرئيسية والتي تمثل الجامع الكبير بريشة الفنان "غسان رمضان".