لم يتخيل لسكانها يوماً بأن اسم قريتهم الصغيرة سيدخل التاريخ ويؤمّها البشر من أرجاء المعمورة بعد أن كانت (القرية) تلملم القرويين من حولها ليستقروا على ثراها ويتسامروا سوياً مع نسمات الربيع الباردة، قريةٌ رفضت عبر تاريخها الطويل الخنوع والخضوع لـ "ميرخي" * و "سوبير بيال" * ورفع رجالها راية الجهاد منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الخمسينيات منه؛ وبعد أن تغيّرت الأحوال والأيام وتبدّلت السنين؛ بقيّ أبناؤها على عهدهم واحتفظوا بإرثها ليتناقلوه جيلاً بعد جيل. بلدة "الجلاء" أو "المسلّخة" هي إحدى البلدات التي توقف عندها esyria في محاولةٍ لتسليط الضوء عليها كما هي موجودة اليوم على أرض الواقع.

فبدايةً تحدّث المحامي "فايز العلي" رئيس مجلس البلدة قائلاً: «تقع بلدة "الجلاء" على بعد /100/كم جنوب شرق "دير الزور" وعلى بُعد /20/كم شمال مدينة "البوكمال" على الضفة الغربية من نهر "الفرات" وسط سهلٍ زراعي خصيب، يبلغ عدد سكانها /20/ ألف نسمة وتبلغ مساحتها /4056/ هكتار، تأسست بلدية الجلاء عام /1984/م وتحتوي على عدة تجمُّعات سكانية موزعة على مساحات متباعدة داخل وخارج المخطط التنظيمي وهي: تجمُّع "المطاردة" وتجمُّع "البطين" و "الحاوي الشرقي" و "الزوية" وتجمُّع "الحجاج" و "العليوي" و "الجزرة".

في نهاية السبعينيات من القرن الماضي ظهرت شخصية واثقة بخطواتها هو الشيخ "نواف الفارس" الذي شغل عدداً من المناصب السياسية قبل أن يتم اختياره سفيراً لـ"سورية" في "العراق" عام /2009/م. كذلك الشيخ "نايف عبود الفارس" عضو مجلس الشعب السابق، والعميد "تركي مشعل الجراح" أحد أبطال حرب تشرين وحرب "لبنان" والسيد "سليمان العيبان" عضو المكتب التنفيذي العام للفلاحين، بالإضافة إلى عدد كبير من المثقفين من أساتذة وأطباء ومهندسين ومحامين

تشتهر البلدة بالزراعة وخاصة زراعة القمح والشعير والشوندر السكري والقطن؛ وقد حصلت على جائزة المركز الأول في القطر عام /2008/م لإنتاج القطن؛ يوجد في البلدة بناء ناحية ومخفر للشرطة ومركز بريد وهاتف وجمعية فلاحية ومؤسسة استهلاكية ومخبز آلي خاص؛ بالإضافة إلى مستوصف ومركز صحي ومصفاة لمياه الشرب ومشروع ري القطاع السابع لإرواء الأراضي الزراعية؛ ومركز ثقافي ومركز طوارئ الكهرباء وعدد من المدارس للتعليم الأساسي والثانوي، كما يوجد فيها مركز لإكثار النخيل المحلي والمستورد».

المحامي "فايز العلي" رئيس مجلس البلدة

ويتابع "العلي" حديثه حول المشاريع المنفذة في البلدة قائلاً: «يوجد لدينا مشروع صرف صحي بقيمة /50/ مليون ليرة سورية وبنسبة إنجاز 50% وهو لا يغطي أكثر المنازل كونه ضمن المخطط التنظيمي فقط، ومشروع إفراز للمخطط التنظيمي لتجمُّع "المطاردة" وتم الانتهاء منه؛ ومشروع أرصفة وإنارة للشارع الرئيسي إضافة إلى جزيرة وسطية للشارع العام وتم إنجازه، كما يوجد على أرض الواقع تنفيذ لمشروع صرف صحي لتجمُّع "الطبابشة" بنسبة 60% وبتكلفة ثلاثة ملايين وثمانمائة ألف، ومشروع بناء طابقين لمجلس البلدة بتكلفة /7/ ملايين تقريباً وسيتم الإعلان عنه قريباً، ومشروع استملاك للشوارع الفرعية والرئيسية للبلدة وهو قيد التنفيذ، كذلك مشروع جسر للمشاة مقابل ثانوية "الجلاء" على الطريق الرئيسي وتم مخاطبة مديرية الطرق والمحافظة بهذا الشأن؛ وأيضاً وضع دلالات كاملة للمراكز والدوائر الحكومية على الطرق وبانوراما للسيد الرئيس».

كما هو معروف عادةً فإن أغلب التجمعات السكانية باختلاف مساحاتها تحمل أسماءً أخرى غير اسمها الحالي ونتيجة حادثة أو مناسبة ما يتم تغييرها ومنحها لقباً آخر؛ وبهذا الخصوص تحدث الشيخ "كمال الجراح" شيخ عشيرة "الدميم"عن بداية نشوء بلدة "الجلاء" وأصل التسمية، بالقول:

الشيخ "كمال الجراح"

«لم يكن الموقع الحالي للبلدة سوى مساحة خالية من البناء؛ فقد كان بمثابة موقع تبادلي لأفراد العشيرة؛ يؤمونها في فصل الربيع والصيف ثم يتركوها في الشتاء ويرحلون إلى الصحراء مصطحبين معهم أمتعتهم وكان يُطلق عليها اسم "الزور" لكثرة الأشجار الخضراء المجاورة لنهر"الفرات" وبعد استقرارهم فيها تم تسميتها "المسلًخة"، وخلال وجود الفرنسيين في المنطقة وبالتحديد عام /1941/م نشبت معركة كبيرة بين رجال العشيرة والفرنسيين في ذات الموقع وانتهت بانتصار رجال العشيرة وبعد تأسيس مجلس بلدية عام /1984/م تم تغيير اسمها كهدية معنوية من القيادة التاريخية إلى "الجلاء" لدور البلدة النضالي ضد الاستعمار كونها أول قرية متحررة في سورية وذلك في /20/ أيار من عام /1945/م».

ثم تطرّق الشيخ "كمال" في مستهل حديثه إلى الناحية الاجتماعية السائدة في البلدة؛ فقال: «تتكون بلدة "الجلاء" من عائلة واحدة تنتمي إلى عشيرة "الدميم" وتتبع لها عشائرياً كلٌ من "الصالحية" و "العباس" و "الطواطحة" و "البحرة" وكان يتولى أمور العشيرة الشيخ "فارس الصياح"، ثم جاء بعده الشيخ "عبود الفارس الصياح" ومن ثم والدي الشيخ "ناجي عبود الصياح" حتى وفاته عام /2005/م حيث تولّيتُ المشيخة من بعده حتى هذا اليوم. ولهذه المنطقة عادات وتقاليد عربية أصيلة كالجود والكرم والنخوة والحمية يحافظون عليها بنكهتها العريقة الطيبة، ويُعتبر ديوان "الجراح" الحالي محكمة قضاء لتطبيق العادات العربية الأصيلة والأعراف العشائرية الحسنة وإشاعة المحبة بين الناس وهو بالتأكيد امتدادٌ لمسيرة الآباء والأجداد».

مدخل البلدة من جهة "البوكمال"

وقد ذكر الشيخ "كمال" خلال حديثه أسماء بعض الشخصيات التي أنجبتها البلدة وكانت مثالاً يحتذي بها؛ فقال: «في نهاية السبعينيات من القرن الماضي ظهرت شخصية واثقة بخطواتها هو الشيخ "نواف الفارس" الذي شغل عدداً من المناصب السياسية قبل أن يتم اختياره سفيراً لـ"سورية" في "العراق" عام /2009/م. كذلك الشيخ "نايف عبود الفارس" عضو مجلس الشعب السابق، والعميد "تركي مشعل الجراح" أحد أبطال حرب تشرين وحرب "لبنان" والسيد "سليمان العيبان" عضو المكتب التنفيذي العام للفلاحين، بالإضافة إلى عدد كبير من المثقفين من أساتذة وأطباء ومهندسين ومحامين».

هوامش:

  • "ميرخي": هو اسم الضابط الذي كان يقود القوات الإنكليزية الزاحفة إلى منطقة "البوكمال" قادمة من "العراق" عام /1919/م.

  • "سوبيربيال": وهو ضابط الاستخبارات الفرنسية الذي هاجم مع جنوده بلدة "الجلاء" وقتل الشيخ "كسار الصياح" بعد معركة "المسلّخة" عام /1941/م.