كان يعبر هذه المنطقة متجهاً إلى "صفين" حين لحق بجيشه ظمأ شديد، فضرب بحافر فرسه الأرض لتنفجر عين ماء، ما تزال تتدفق حتى اليوم، يذكر الأهالي عنها الكثير من المعجزات، ويؤكد من شرب منها أن ماءها لا يشبههه في العذوبة إلا ماء "زمزم" حتى ليكاد يقسم أنها و"زمزم" تسقى من ماءٍ واحد، كان ذلك القائد هو الإمام "علي" كرم الله وجهه، وتلك العين هي عين "علي" التي أخذت اسمه الشريف، ولا تزال منذ قرون طويلة محجاً للكثير من آبائنا وأمهاتنا سواء كان ذلك للتبرك أو لوفاء النذور أو للتمتع بعذوبة الماء وسحر الطبيعة.

وللتعرف أكثر على هذه العين وما يجاورها من أوابد أثرية التقينا الباحث "عامر النجم" الذي أفادنا قائلاً: «تقع عين "علي" في محافظة "دير الزور" بالقرب من مدينة "القورية" التي تقع على بعد 62 كم جنوب شرق "دير الزور" وكانت تعرف "بالدالية" ذكرها "ياقوت الحموي" في كتابه "معجم البلدان" بقوله: "تقع "الدالية" بين رحبة "مالك بن طوق" و"عانة" على الضفة الغربية لنهر "الفرات" وتشتهر بكثرة دوالي العنب والأشجار المثمرة وطرق الري المتعددة ومنها الأقنية الرومانية كما يؤكد ذلك وجود "النواعير".

المرأة التي تعاني من مشكلة ما مثل عدم الإنجاب أو غياب أحد الأحبة أو عرقلة زواج ابنتها أو زواجها هي نفسها، كانت تلجأ إلى النذور بتطويف الشمع أو زيارة الأماكن التي لها خصوصية دينية مثل عين "علي" أو "قباب الشيخ عيسى"، ولعين "علي" عند النساء طقس خاص حيث كن ينزلن إلى الماء وهن ينادين بأصوات مسموعة: "جينا نزورك يا "علي أبو حسين" دستورك". وكانت المرأة تصعد إلى المنارة وهي ترتدي عباءة الحبر –كل نساء المنطقة كن يرتدينها – وترمي بعباءتها من أعلى المنارة فإن نزلت العباءة وهي مفتوحة -وهذا ما تتمناه كل إمرأة- فمعنى ذلك أن نذرها سيتحقق وإن نزلت منكمشة تحقق عكس ذلك، وكان ذهاب المرأة إلى العين إما أن يتم قبل النذر فتذهب إلى هناك لتنذر نذرها، أو أنها تنذره لعين "علي" وبعد تحقيق مرادها تذهب للوفاء به

وعين "علي" تقع بعد قلعة "الرحبة" جنوباً وهي - أي المنطقة- عبارة عن منارة ما تزال قائمة ويتوسط هذه المنارة درج دائري كان يستخدم في السابق للصعود من أجل تأدية الأذان، وحديثاً لطلب الحاجات من رب السماوات والأرض، وهذه المنارة بنيت مع تجديد بناء "الرحبة" في العهد العباسي لتجاور عين الماء وبقيت مسكونة في العهدين الأيوبي والمملوكي، أما العين فلا يوجد ذكر لها إلا ما يرد في السير الشعبية مما تناقله الأبناء عن الآباء بحيث أعطيت هذه العين حالة من الجلال من خلال ربطها بالإمام "علي" كرم الله وجهه، والقول بأن ماءها انفجر تماماً في موضع حافر فرسه أثناء مروره بالمنطقة قبل معركة صفين واحتياج جيشه إلى الماء، وزاد من جلالها ما تناقلته العامة من قصص حول عذوبة مائها وربطه بماء "زمزم"».

الباحث عامر النجم

وعن الطقوس التي تمارسها النساء في هذا المكان والتي تختلف بشكل جذري عن الطقوس في أي مكان آخر فقد حدثتنا عنها السيدة "زينب سليمان" بقولها: «المرأة التي تعاني من مشكلة ما مثل عدم الإنجاب أو غياب أحد الأحبة أو عرقلة زواج ابنتها أو زواجها هي نفسها، كانت تلجأ إلى النذور بتطويف الشمع أو زيارة الأماكن التي لها خصوصية دينية مثل عين "علي" أو "قباب الشيخ عيسى"، ولعين "علي" عند النساء طقس خاص حيث كن ينزلن إلى الماء وهن ينادين بأصوات مسموعة: "جينا نزورك يا "علي أبو حسين" دستورك".

وكانت المرأة تصعد إلى المنارة وهي ترتدي عباءة الحبر –كل نساء المنطقة كن يرتدينها – وترمي بعباءتها من أعلى المنارة فإن نزلت العباءة وهي مفتوحة -وهذا ما تتمناه كل إمرأة- فمعنى ذلك أن نذرها سيتحقق وإن نزلت منكمشة تحقق عكس ذلك، وكان ذهاب المرأة إلى العين إما أن يتم قبل النذر فتذهب إلى هناك لتنذر نذرها، أو أنها تنذره لعين "علي" وبعد تحقيق مرادها تذهب للوفاء به».

مئذنة عين علي

ومن أهالي المنطقة التقينا السيد "حسن خلف العزيز" الذي تحدث عن مكانة العين بالنسبة لأهل منطقته بالقول: «إن مكانة عين "علي" مميزة ليس بالنسبة لأهل "القورية" وحدهم بل لأهالي وادي الفرات ككل وذلك لميزاتها الدينية أولاً والطبيعية ثانياً والاجتماعية ثالثاً، من لم يقصدها من الأهالي فهو يتمنى ذلك، ومن لم يتمنه فقد أضاع على نفسه الكثير.

لقد ارتبطت هذه العين بحياة أهالي المنطقة وأمانيهم وأحلامهم، وما زال البعض يقصدها بشكل أسبوعي أيام العطل، فإذا كان بعد المسافة لا يثني المرأة المقيمة في المدينة عن ورودها، فما بالك بأهالي المنطقة القريبة من العين، أنا شخصياً لدي ذكريات كثيرة من طفولتي تتعلق بها، فحين كانت أي امرأة من أسرتي تريد تحقيق أمر ما كانت تنذر نذرها لعين "علي"، وعند تحقيقه تحمل الذبيحة وهي موضوع النذر في الغالب لتذبح عند العين ويأكل منها كل قريب، وإن كانت هذه الظاهرة قد خفت وطأتها في السنوات الأخيرة إلا أن مكانة العين باقية وجلالها باقٍ دوماً، وقد جرت عدة محاولات لاستثمار العين سياحياً لأنها منطقة جديرة بالعناية».