يعتبر حي "الجامع الكبير" أو الذي يطلق عليه أيضا تسمية حي "الوسط"، النواة الأساسية لأحياء مدينة "ديرالزور"، حيث كان يضم المدينة القديمة، المسمى "الدير العتيق"، والذي تم بناؤها على تل يرتفع حوالي 10 أمتار تقريبا عن ضفة نهر "الفرات"، كما لايزال هذا الحي يضم العديد من المعالم التاريخية الهامة التي شهدت الكثير من الأحداث، وسطرت فيها الكثير من القرارات، إضافة إلى المعالم الحديثة التي شيدت فيه لاحقا.

ولتسليط الضوء على هذا الحي التقى الموقع بالباحث "مازن شاهين" (عضو لجنة جمع وتسجيل تراث "دير الزور") والذي سرد لنا تاريخ هذا الحي قائلا:

أما العوائل التي سكنت هذا الحي فهي: عائلة "الهادي"، وآل "عبود" المعروفين ببيت "سبع"، وآل "منديل"، وحج "رشيد العزاوي"، وآل "طبون"، و"خلوف الصباغ"، وحاج "فاضل"، "فياض"،و"سبع الدير"، و"شباط"، وآل "دعاوي"، وآل "الرداوي"...الخ

«بداية لابد من توضيح أسباب تسمية الحي "بحي الوسط والجامع الكبير"، حيث كانت المدينة القديمة تتألف من ثلاثة أحياء، أقدمها وأعرقها "الوسطيون" ثم "الشرقيون" ثم "أهل الغرب" (أي أن التسمية على حسب التوزيع الجغرافي للمدينة، شرق ووسط وغرب)، وكان لكل حي مسجده الخاص، حيث كان يوجد في هذا الحي جامع "الوسط الكبير"، ذو المنارة المثمنة والذي يشكل قلب المدينة، وهو الجامع الوحيد الذي كانت تقام به صلاة الجمعة، ومن هنا جاءت تسمية الحي بهذه التسمية، أي نسبة لموقعه الجغرافي، واحتوائه على أكبر جامع في المدينة.

فندق رغدان

ومن أهم المعالم التاريخية في هذا الحي، المدينة القديمة والمسمى "الدير العتيق" والذي يعود تاريخه إلى أكثر من مئتي سنة، والذي تشكل على "تل ترابي" على شكل مثلث قائم الزاوية، يطل على نهر "الفرات" من الجهة الشمالية، ويمتد من الجسر "العتيق" (جسر البعث حاليا)، حتى قصر المحافظة سابقا بطول 500متر تقريبا، أما القاعدة فيبلغ طولها 70متر، ويمتد من مقهى "عصمان بك" وحتى شارع النهر، ويشكل شارع النهر (سوق الصاغه حاليا) مع امتداده نحو الغرب الضلع القائم.

وقد كان التل الذي تم عليه بناء "دير العتيق" محصنا بسور مبنى من الحجارة والطين بنفس الطريقة التي حصن بها "الفرس" مدنهم، ولايستبعد أن تكون "ديرالزور" إحدى هذه المدن التي بناها "الفرس" في المنطقة.

حديقة النيل

وفي عام 1967 تم هدم المدينة القديم (الدير العتيق)، وأقيم مكانه "القصر العدلي"، و"مديرية الثقافة"، و"المجمع الاستهلاكي"، و"المجمع الحكومي" الذي يضم مجموعة من الدوائر والفعاليات الاقتصادية.

كما يوجد في هذا الحي دار البلدية، والذي يعود تاريخ بنائه إلى العام 1885، وقد كان يستخدم حتى فترة قريبة كمقر لمحافظة "دير الزور"، ويتم حاليا إعادة ترميمها لتحويلها إلى محكمة عسكرية، كما يقع فيه مقر غرفة زراعة "ديرالزور" وهي أقدم غرفة زراعة في القطر تم بناؤها في العام 1948.

الدير-العتيق

وفي الحي توجد أقدم كنسية لشهداء "الأرمن" والتي تم تشييدها في العام 1985، إلا أن افتتاحها تم في العام 1991، وللكنيسة مكانة كبيرة لدى "الأرمن"، حيث دفن في أساسها بقايا رفات شهداء "الأرمن" التي تم انتشالها من عدة مواقع من المناطق التي شهدت مذابح "الأرمن"، وتشهد هذه الكنيسة في كل عام محج "الأرمن" الذين يأتون إلى "ديرالزور" من كافة أنحاء العالم.

ويوجد في الحي أيضا منزل "فجر الفياض" والذي كان عبارة عن "ديوان" يجتمع فيه أهالي "ديرالزور" خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كما استخدم في زمن الاحتلال "الفرنسي"، كمقر للاستخبارات "الفرنسية"، ومن المعالم الأثرية أيضا والتي مازالت قائمة إلى يومنا هذا مقر "الحرس القومي" في الشارع العام، ويستخدم حاليا منزلا لإحدى العوائل».

كما التقينا بالباحث "زبير سلطان" والذي حدثنا عن الجانب الثقافي للحي قائلا:

«لعب هذه الحي خلال القرن الماضي دورا كبيرا في النشاط الثقافي والاجتماعي والحياتي بشكل عام، حيث كان يضم دارين للسينما الأولى مملوكة لأحدى الأشخاص من عائلة "لولي" تقع أمام المصرف الزراعي، ولأخرى للحاج "عبدالرزاق عياش" في مقهى آل "هنداوي"، وكان يقتصر عمالها في فصل الصيف، أما في الشتاء فتقدم العروض في سينما "القاهرة" والمملوكة أيضا للسيد "عياش"، وقد تحولت حاليا لمطعم يطلق عليه اسم "ليلتي"، وتقتصر العروض السينمائية في فصل الصيف على حفلة واحدة مساء، وكانت تخصص حفلتي الاثنين والخميس للنساء فقط، نظرا لطبيعة المنطقة المحافظة.

ويعتبر المقهى المعروف حاليا في "ديرالزور" باسم "جرداق الورق" المطعم الصيفي للحي، ومطعم "القاهرة" الشتوي من المعالم الأثرية الهامة، إلا أن هذا الأخير تم حاليا إغلاقه بشكل كاملة، في حين تحول الأول إلى مقهى يؤمه الشباب بشكل يومي».

ويضيف الباحث "سلطان" قائلا:

«أما العوائل التي سكنت هذا الحي فهي: عائلة "الهادي"، وآل "عبود" المعروفين ببيت "سبع"، وآل "منديل"، وحج "رشيد العزاوي"، وآل "طبون"، و"خلوف الصباغ"، وحاج "فاضل"، "فياض"،و"سبع الدير"، و"شباط"، وآل "دعاوي"، وآل "الرداوي"...الخ»

أما الواقع الحالي للحي وأهم الخدمات المتوفرة فيه فيقول المراقب الفني "ماهر بعاج" من قسم التخطيط العمراني: «يمتد هذا الحي بشكل طولي، غربا من محطة تصفية المياه المحاذية لحي "الثورة" (الجورة) حتى الجسر الغربي على نهر "الفرات"، ومن الشمال شارع النهر الممتد من جسر "البعث" وصولا إلى الجسر "الغربي"، ومن الجنوب الشارع العام وتحديدا من دوار "الجندي المجهول" وصولا إلى ساحة "الباسل"، والتي تشكل أيضا الحدود الشرقية الممتدة منها حتى زاوية مقهى "عصمان بك".

يوجد في الحي خمس فنادق وهي ("رغدان" و"ماري" و"السعيد" و"أمية" و"زياد") وجميعها تعمل حاليا ومصنفة لدى وزارة السياحة بنجمتين، باستثناء فندق (رغدان) مغلق، ويضم الحي أيضا حديقة "النيل" المطلة على ساحة السيد "الرئيس"، والتي تم افتتاحها في العام 1958في عهد الوحدة بين "سورية" و"مصر"، كما يعتبر الحي مركزا تجاريا هام، حيث توجد فيه العديد من الفعاليات التجارية والاقتصادية والمكاتب الاستشارية، إضافة للعديد من مكاتب "المهندسين" و"المحامين" وعيادات "الأطباء"، وتقع جمعية "غازي عياش" السكنية في الجهة الغربية منه، ويضم الحي ثلاث مشافي وهي (المشفى العسكري، الأطفال والتوليد، و"العبود" الخاصة)، بإضافة لمركز الرعاية الصحية، وبنك الدم الواقعان خلف مشفى "الأطفال"، كما يوجد في الحي 5 مقاهي أربعه منها على شارع النهر وهي؛ ("عصمان بك"، "جرداق الورق"، "البرج"، "قيصر")، أما الخامسة فهي في الشارع العام ضمن مبنى حديث.

وتأسس في الحي أول نادٍ رياضي وهو نادي "غازي"، والذي بات يعرف اليوم بنادي "الفتوة"، كما يوجد في الحي مجموعة من المباني العائدة إلى الحقبة "الفرنسية"، وتستخدم حاليا "كثكنات" عسكرية، وهي عبارة عن مباني شيدت من الحجارة والطين، سقوفها على شكل جمالون مصممة من أعمدة الخشب المكسي "بالقرميد" الأحمر، كما يشهد هذا الحي في هذه الأيام حركة عمرانيا غير منقطعة النظير، حيث طغت الأبراج على الواجهة الشمالية للحي، إضافة إلى الكثير من الأبنية الأخرى».

ويبلغ عدد سكان هذا الحي بحسب التقرير الصادر عن مديرية إحصاء "ديرالزور" نحو4371 نسمة، وعدد الأسر التي تقطنه 912أسرة.