على الرغم من الحياة التقليدية البسيطة لسكانها ونمط البناء العمراني القديم استطاعت مدينة "البوكمال" خلال فترة الستينيات أن تحتضن إحدى أهم مظاهر الرقي والتمدّن والمتمثل بالسينما، فلا يزالُ هذا البناء العتيق قائماً ومحافظاً على طرازه القديم المبني من الطين والجص والحجر؛ حيث كان مخصصاُ لعرض مختلف الأفلام خلال فترةٍ كان فيها وجود التلفاز مقتصراً على عددٍ ضئيل من أبناء المدينة، لكن مع مرور السنين بات انتشار التلفاز أمراً واقعاً وبدأت هذه السينما تفقد بريقها يوماً بعد يوم إلى أن رضيت بالأمر الواقع وأقفلت أبوابها لتصبح من إحدى معالم المدينة التي حُفِرت في ذاكرة الشيوخ.

ولمعرفة الكثير عن هذه السينما التقى مراسل eSyria بالحاج "حسن أحمد البحر" من مواليد /1931/م وهو أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون في تلك السينما آنذاك، حيث تحدّث قائلاً: «بدأتُ العمل في سينما "فؤاد" كموظف لقطع التذاكر منذ أن تم عرض أول فيلم وكان ذلك في عام/1953/م، لكن التاريخ الحقيقي لهذا البناء أقدم من ذلك بكثير، إذ كان قبل ذلك عبارة عن مستودعٍ لتخزين القمح والشعير وتعود ملكيته إلى "كامل نعوم" أحد أفراد العائلة المسيحية التي كانت تقطنُ المدينة منذ زمنٍ بعيد، وقد تحول هذا المستودع فيما بعد إلى سينما بفضل "جورج ليلى" صاحب سينما "فؤاد" بـ "دير الزور" حيث جاء هذا الأخير إلى المدينة واتفق مع "كامل نعوم" على تحويل مستودعه إلى سينما وبالفعل تم ذلك وأطلق عليها اسم سينما "فؤاد" بعد أن تم تجهيز البناء وإحضار كافة مستلزمات صالة العرض من كراسي وستائر وإضاءة والشاشة المستطيلة..إلخ».

كانت معظم الأفلام عبارة عن أفلامٍ أجنبية وعربية ومن بينها أفلام رعاة البقر الأمريكية والأفلام الهندية وأفلام الهنود الحمر وحتى الأفلام التاريخية، لكن معظمها لم تكن هادفة غير أنها كانت لتسلية الشباب وإملاء أوقات فراغهم

ثم أضاف قائلاً: «في ذلك الوقت كانت السينما تجني أرباحاً طائلة لأنها كانت شيئاً غريباً وغير مألوف على أهالي المدينة، فكان شباك التذاكر يعجُّ بالشباب قبل موعد العرض بعدة ساعات؛ لكن بعد انتشار التلفاز في المدينة بشكل كبير تقلص مردودها ولم تعد تكسب مالاً كما في بداياتها مما اضطرّ أصحابها إلى إغلاقها وكان ذلك في عام /1978/م دون أن يستثمروا هذا البناء في أي شيءٍ آخر حتى هذه اللحظة بل بقي كل شيءٍ في مكانه فما زالت الكراسي والستائر والتجهيزات الأخرى على حالها لكن الأبواب مقفلة ولم تُفتح منذ ذلك الوقت».

الحاج "حسن أحمد البحر"

وعن نوعية الأفلام التي كانت تُعرض في ذلك الوقت، تحدث قائلاً: «كانت معظم الأفلام عبارة عن أفلامٍ أجنبية وعربية ومن بينها أفلام رعاة البقر الأمريكية والأفلام الهندية وأفلام الهنود الحمر وحتى الأفلام التاريخية، لكن معظمها لم تكن هادفة غير أنها كانت لتسلية الشباب وإملاء أوقات فراغهم».

ثم أضاف: «كان راتبي الذي كنت أتقاضاهُ عن عملي عبارة عن ثلاثين ليرة سورية في أول كل شهر وخلال السنوات الأخيرة من عمر السينما ازداد هذا الراتب ليصل إلى ستين ليرة سورية، وفي ذلك الوقت كان عدد سكان المدينة لا يتجاوز العشرين ألف نسمة؛ ولم تكن المساحة المأهولة بالسكان كبيرةً قياساً إلى الوضع الحالي وبيوتها كانت مبنية من الطين والجص ولم تكن بيوت الاسمنت معروفةً في ذلك الوقت لكن بالرغم من تلك البدائية في العيش فقد كانت الحياة بسيطةً كأهالي المدينة لكن مع مرور الأيام والسنين تبدل كل شيء ولم يبق لدينا من الماضي سوى ذكرياتٍ جميلة احتفظنا بها لأنفسنا لأنّه لم يعد هناك من يتعطش لسماعها».

الباب الرئيسي لدخول السينما

استطاعت هذه السينما الصمود أمام التلفاز فترةً لا بأس بها؛ لكن في النهاية استسلمت وأضاءت أنوار الصالة بعد أن غادرها جميع مرتاديها من غير عودة، لكن وحدهُ الباب الحديدي الأصم بقيّ يراقبُ المارة في كل لحظة عسى أن يأتي يومٌ ويُفتحُ على مصراعيه من جديد.