نسجت حولها الكثير من القصص والأساطير، فقد تميزت "مغارة ابن سعود" بوجود العديد من الغرف والدهاليز العميقة التي تكونت بسبب الحت بالصخور الكلسية؛ فهي عبارة عن تكهفات كلسية وتغيرات في مسار نهر الفرات.

للتعرف إلى "مغارة ابن سعود" مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 30 تشرين الأول 2014، تواصلت مع الأستاذ المتقاعد "جودت سلمان" من حي "الجبيلة"؛ فحدثنا بداية عن موقع وشكل المغارة بالقول: «كانت ومازالت "مغارة ابن سعود" لغزاً محيراً لأهالي "دير الزور"، وكثرت الأقاويل والشائعات حول هذه المغارة المجهولة، لما تحويه من أسرار ودهاليز عميقة وطويلة جداً، وتقع وراء الجبال المطلة على "دير الزور" من جهة الجنوب الغربي في منطقة "النوامير" خلف "الحاووز"، وتبعد عنها حوالي كيلو متر واحد باتجاه صحراء تدمر، ولا شيء بعدها سوى الصحراء، ولكوني ولدت بـ"الدير" واكتسبت بالطبيعة شقاوة أطفالها وعبثهم وحبهم للمغامرات والبحث عن المجهول غير عابئين بالمخاطر، فقد دفعني الطيش مع بعض الأطفال للذهاب إلى المغارة والدخول فيها».

هي مغارة طبيعية صنعتها السيول ومجاري المياه، وهي قديمة وسميت بهذا الاسم لأن شخصاً اسمه "ابن سعود" قد اختطف امرأة وتزوجها في هذه المغارة، وبقي فيها نحو عشرة أيام، ثم عاد إلى المدينة وكنا في طفولتنا نذهب إليها نحمل قطعاً مطاطية (إطارات سيارات أو دراجات) فنحرقها لتنير لنا الدهاليز والغرف، حيث يدخل الشخص من مكان ويخرج من آخر، وكانت مأوى لبنات آوى والثعالب والضباع

ويتابع: «كانت فتحة المغارة شبه دائرية، وقطرها حوالي المتر أو أكثر قليلاً، وتتقسم إلى عدة فتحات وغرف، ومن هذه الغرف غرفة "الطبل"، وفيها نتمكن من الوقوف وحمل حجرة ما من الأرض، وعندما نطرق بها على صخرة كبيرة على يسار الغرفة يسمع صوت الدق يشبه الطبل، حيث يصل هذا الصوت إلى سطح المغارة، فيعرف الأصدقاء أننا وصلنا، وهناك أيضا فتحة شديدة الظلمة تسمى درب "الصد لا رد" لا أحد يدخلها خوفاً من الضياع فيها، ومن أجل دخولها كان علينا الانحناء إلى نصفين، وهي مظلمة جداً ومن أجل الرؤية أحضرنا معنا قطعاً من إطارات السيارات لكي نشعلها لتوفير الإضاءة، فلم تكن آنذاك معروفة مصابيح البطارية، وعند الدخول وبعد الانحناء ثم الهبوط زحفاً وأنت جالس حوالي أربعة أو خمسة أمتار تبدأ المغارة».

جودت سلمان

ويضيف: «مازلت أتذكر تلك الرائحة الغريبة المنبعثة من أرجاء المكان، رائحة الرطوبة أو ربما كان الهواء مثقلاً بالهواء القديم قدم التاريخ، والسكون يلف المكان إلا من أصواتنا ننادي بعضنا بعضاً وربما من الخوف، قطع الصخور الضخمة المدببة تتدلى من جنبات المغارة، تمشي بعض الخطوات لتدخل شبه غرفة وتعرف باسم غرفة "السبع"، أرضها مفروشة بالرمل الناعم البارد وهناك بقايا عظام مبعثرة، تأتي بعد الغرفة الدهاليز؛ وهي أخطر ما في المغارة لأنها كثيرة، وإن ضعت في أحد هذه الدهاليز فمن الصعب الخروج منها، وفيها تيار هوائي قد يتسبب بإطفاء نار قطعة "الكوتشوك"، ولا تعرف أين تتجه، وقيل إن أشخاصاً فقدوا في هذه الدهاليز وممراتها العميقة، ولم أجد الجرأة لأتقدم أكثر في المغارة وبسرعة سلكت طريق العودة وكنت في الاتجاه الصحيح، إلى أن وصلت باب المغارة، وجدت أصدقائي بانتظاري وكانوا قلقين علي، وقالوا إنهم نادوني مراراً لكنني لم أسمع، وتلك هي ذكرى وتجربة مع "مغارة ابن سعود" المجهولة، للعلم وكما أعرف إلى الآن لم يتم اكتشاف المغارة أو تسليط الضوء عليها من أي جهة حكومية».

تكهفات كلسية وتغيرات في مسار نهر الفرات أدت إلى تشكل مغارة "ابن سعود"؛ هذا ما أشار إليه الدكتور "حسين المحمد" بعلم الجغرافية بالقول: «يتعلّق منشأ المغارات والكهوف في المناطق الكلسية بالتركيب الكيمياوي للمياه الجوفية، فالمياه الحاوية على غاز ثنائي أكسيد الكربون التي تخترق طبقاتها تحلّ الصخور الكلسية، ويمكن أن تصبح المياه المشبعة بهذا الغاز فعالة جداً لإذابة الصخر الكلسي، ومغارة "ابن سعود" كما تلقب من قبل أهالي منطقة "دير الزور" هي عبارة عن تكهفات كلسية طبيعية، حفرت المياه بالكلس لفترات طويلة من الزمن، وقد يكون منشأ هذه المغارة أيضاً تغيرات في مسار نهر الفرات عبر الزمن، والدليل على ذلك وجود خرائط لنهر الفرات كل 30 سنة لتحديد مساراته الجديدة نظراً لطبوغرافية الأرض وطبيعة الصخور».

حسين محمد

أما الباحث "أحمد شوحان" في كتابه "تاريخ دير الزور" فتحدث عن "مغارة ابن سعود" بالقول: «هي مغارة طبيعية صنعتها السيول ومجاري المياه، وهي قديمة وسميت بهذا الاسم لأن شخصاً اسمه "ابن سعود" قد اختطف امرأة وتزوجها في هذه المغارة، وبقي فيها نحو عشرة أيام، ثم عاد إلى المدينة وكنا في طفولتنا نذهب إليها نحمل قطعاً مطاطية (إطارات سيارات أو دراجات) فنحرقها لتنير لنا الدهاليز والغرف، حيث يدخل الشخص من مكان ويخرج من آخر، وكانت مأوى لبنات آوى والثعالب والضباع».