تحولت المدينة إلى بقعة بيضاء تعج بالحركة والحيوية، حينما خرج الجميع للاستمتاع باللعب، أما هذا الحدث فقد تحول بدوره إلى ذكرى جميلة مازال يذكرها الديريون حتى الآن.

وللحديث عنها؛ التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ 22 تموز 2014، المدرس المتقاعد "محمد أمين"، الذي حدثنا عن تلك الفترة بالقول: «في عام 1950 كان لي من العمر اثنا عشر عاماً وأذكر جيداً ذاك الشتاء القاسي، حين تحول كل ما في "دير الزور" إلى اللون الأبيض، سطوح المنازل، والشوارع جميعها مغطاة بالثلوج المتراكمة بسماكة تزيد على نصف المتر، وقد دامت هذه الثلجات وعددها ثلاثة ما بين 10 إلى 15 يوماً، وتجمدت المياه في المواسير والحنفيات، وكثير منها تفجر بفعل ازدياد حجم الماء بداخلها، وقد عمل الأهالي على تسخين البواري بطباخات العكس (بابور الكاز)، وذلك لجر مياه الشرب، وعمد أصحاب المحلات إلى جرف الثلوج من الأرصفة إلى أرضية الشوارع، وكذا فعل الأهالي فانشغلوا بجرف الثلوج من أمام منازلهم، واستخدموا المعاول والفؤوس لإزالة ما تجمد من الثلوج على سطوح المنازل».

إن انخفاض سطح الأرض، وصفاء الجو نسبياً حتى في نصف السنة الشتوي، يجعل معدل درجة الحرارة في محافظة "دير الزور" ليس منخفضاً كثيراً، وما يحدث من انخفاض حراري في هذه الأشهر يعزى إلى الموجات الباردة، التي تسببها الرياح الشمالية الشرقية القادمة من الضغط المرتفع السيبيري، ما يؤدي إلى هطول الأمطار وتساقط الثلوج، وهذا نادر الحدوث

ويتابع: «على الرغم من أن الحركة في المدينة أصبحت صعبة، والمدارس أغلقت أبوابها، فلم يبق في الشوارع سوى "الحناتير" التي كانت وسيلة النقل الأساسية في المدينة؛ نظراً لإطاراتها الكبيرة والعالية، فقد كانت تقل الأهالي إلى الشوارع والساحات الأساسية لقضاء أوقات النشاط واللعب بالثلج، فأصبحت "دير الزر" تعج بالحركة، لأن تساقط الثلج أمر غير معتاد، وهو حدث لا يتكرر إلا نادراً، آنذاك لبس الناس الألبسة الصوفية السميكة من "الكنزات، البالطوات، الكبيعات (القبعات)، الرانات (الجوارب)، الكفوف، واللفاحات، وبأرجلهم الجزمات من اللاستيق (البلاستيك)"، وبعد أن بدأ الثلج الذوبان أخذت المياه تدلف من سقوف البيوت الخشبية، وحين نريد النوم يضع كل فرد من أفراد العائلة فوق جسمه "دبسي (صحن)، لَكَنْ، فرش (المنسف)" لتحاشي المياه المتسربة من سقوف البيوت، في حين كان الأكل يقتصر على "الجشج (الكشك)، الحريرة، الفورة (الشوربة)، الثردة البيضا"، إلى جانب أكل التمر وقلايد التين والزبيب، التي كان يحتفظ بها الديريون في سراديبهم لمثل هذه الأوقات العصيبة».

شارع مشفى الفرات 1993.

أما الشاب "رامي النوارة" من حي "الشيخ ياسين" فيقول: «حدثني والدي رحمه الله عن يوم "الثلاث ثلجات" التي حدثت في الخمسينيات من القرن الماضي، حين خرج الأطفال والشباب والرجال متوجهين إلى مدرسة "التجهيز"، وهو آخر بناء في المدينة يقابلها الملعب البلدي "متحف دير الزور" حالياً، ليصنعوا الهياكل الثلجية الضخمة، وبعضهم يلبسونها الطرابيش الحمراء واللفاحات على رقابها وتحمل بيدها السعف، وكانوا يتقاذفون الكرات الثلجية فيما بينهم.

صحيح أن هذه "الثلجات الثلاث" جعلت الجو قاسياً؛ لكنها فسحت مجالاً للعب واللهو، وقد عاصرتُ نفس الحدث ولكن بشكل أقل وطأةً، إذ إن مياه نهر الفرات لم تتجمد كما حدث في "الثلاث ثلجات" وذلك في عام 1993 حيث تساقطت الثلوج ليوم واحد، وخرج الأهالي للعب يومها، وأيضاً في عام 2013 تساقط الثلج ولكن بشكل بسيط».

رامي النوارة

للوقوف عند هذه الظاهرة وأسبابها حدثنا الدكتور في علم الجغرافية "حسين المحمد" بالقول: «إن انخفاض سطح الأرض، وصفاء الجو نسبياً حتى في نصف السنة الشتوي، يجعل معدل درجة الحرارة في محافظة "دير الزور" ليس منخفضاً كثيراً، وما يحدث من انخفاض حراري في هذه الأشهر يعزى إلى الموجات الباردة، التي تسببها الرياح الشمالية الشرقية القادمة من الضغط المرتفع السيبيري، ما يؤدي إلى هطول الأمطار وتساقط الثلوج، وهذا نادر الحدوث».

حي الرشدية ثلجة 1993