"أم لونين، أم العلمين، حليب وكرز وليمون".. بهذه الكلمات كان بائعو البوظة قديماً في مدينة "دير الزور" يروجون لبضاعتهم في فصل الصيف، حيث توضع البوظة في صندوق خشبي يسمى "صندوق البوزا".

للتعرف على البوظة، وكيف كانت تباع قديماً في محافظة "دير الزور" مدونة وطن "eSyria" التقت في 2 أيار 2014 السيد "جمال عبد الكريم" متقاعد ومهتم بالتراث من حي القصور، فحدثنا بالقول: «في بداية فصل الصيف كان بائعو البوظة في "دير الزور" في الخمسينيات من القرن الماضي يضعون البوظة أو "البوزا" كما نلفظها نحن في لهجتنا الديرية في صندوق من الخشب، وشكل هذا الصندوق مميز وسهل الحمل، حيث يصل عرضه وطوله بين الخمسين والستين سنتيمتراً، والارتفاع والعرض والطول متساويان كالمكعب، وفي داخل الصندوق توجد قطعة من "البافون" (الألمنيوم)أو النحاس، أسطوانية الشكل توضع فيها البوظة ولها غطاء محكم الإغلاق، ويكون الصندوق مفرغاً من الداخل حيث يتمكن البائع من وضع الثلج والملح الخشن بين الخشب وبين القطعة الأسطوانية، وذلك ليحافظ على البوظة متجمدة أكبر فترة ممكنة من الوقت التي قد تصل في بعض الأحيان إلى عشر ساعات».

البوظة قديماً كانت تصنع من تبريد عصير العنب أو عصائر الفواكه وإضافة الثلج إليها، حيث كانت المهنة تختلف عما هي عليه الآن، إلا أن البوظة مازالت حتى اليوم من ألذ المرطبات التي يحبها الصغار قبل الكبار لما لها من فوائد سواء المصنوعة من الحليب أم من الفواكه، رغم أنها لم تكن مضمونة من حيث جودتها لأنها غير مغلفة ولا تخضع للمراقبة أثناء صنعها

ويضيف: «بعد تجهيز البوظة في الصندوق الخشبي تبدأ رحلة البائع بين شوارع وحارات وأزقة المدينة في فترة القيلولة والشمس الحارقة، حيث يصرخ وينادي بأعلى صوته: "بوزا بوزا حليب كاكاو كرز ليمون"، وحين يسمع الصغار صوت البائع يذهبون إليه لشرائها رغم أن منهم من كان يعاني من عدم توافر المال، إلا أنهم في النهاية يحصلون عليها نتيجة إلحاحهم ورغبتهم في تذوقها، ومن أشهر نداءات البائعين كانت "بوزا أم لونين"، "بوزا أم العلمين"، بوزا أديب وهي ماركة لنوع من البوظة كانت مشهورة في المنطقة قديماً».

جمال عبد الكريم

من الصندوق الخشبي للكؤوس و"الزبادي" هذه كانت رحلة البوظة كما حدثنا الأستاذ والدليل السياحي "جودت سلمان" بالقول: «من منا لا يتذكر الصندوق الخشبي الكبير والمصفح الذي يشبه "القاصه" حيث كانت توضع البوظة وتباع فيه، وأذكر أن الصندوق كان يحتوي على مكانين على جانبيه لتثبيت الحمالة والقشاط كي يتسنى حمله على الكتف، وله باب من الأعلى، ومع مرور الوقت تطور الصندوق ليصبح اسمه "طرمز"، و"طرمز" البوظة طويل ومخروطي الشكل ويعلق أيضاً على الكتف لكنه أخف وزناً وأجمل منظراً من الصندوق الخشبي، ومعه تطورت البوظة وأصبح اسمها "كلاسّيه" بتشديد السين، وهي عبارة عن كرة من الحليب المجمد تغطيها طبقة من الشوكولا، بحجم حبة البطاطا الوسط، وفي نفس الفترة تقريباً ظهرت صناعة "الدوندرما"، وأول من أدخل هذا الصنف إلى "دير الزور" هو المرحوم "جمال بعاج"، وكان له محل كبير ومشهور يقع في الشارع العام مقابل جامع "الحميدي"، وقد ذاع صيته في الدير لتميزه بهذه الصناعة ونظافته، وكان محله يوصل طلبات الزبائن إلى المنازل وكانت تحمل بكؤوس زجاجية أنيقة وكان معظم زبائنه من طبقة النخبة في "دير الزور" آنذاك».

المرشدة الصحية "إلهام خطاط" أشارت بالقول: «البوظة قديماً كانت تصنع من تبريد عصير العنب أو عصائر الفواكه وإضافة الثلج إليها، حيث كانت المهنة تختلف عما هي عليه الآن، إلا أن البوظة مازالت حتى اليوم من ألذ المرطبات التي يحبها الصغار قبل الكبار لما لها من فوائد سواء المصنوعة من الحليب أم من الفواكه، رغم أنها لم تكن مضمونة من حيث جودتها لأنها غير مغلفة ولا تخضع للمراقبة أثناء صنعها».

جودت سلمان
آلة صناعة البوظة قديماً