(أقول له تيس.. يقول احلبه)، هذا أحد الأمثال الشعبية الدارجة بين عامة الناس باختلاف الزمان والمكان، لكن ربما أصبحت هذه المقولة حقيقة لدى أهالي مدينة "البوكمال" منذ زمنٍ ليس بالقريب؛ فقد استطاع أحد قاطني هذه المدينة قبل ربع قرنٍ الحصول على تيسٍ يملك ثديّاً كثدي الماعز تماماً؛ حتى إنه يحلب حليباً أيضاً، ثم ذاع صيته بسرعة البرق بين الناس الذين توافدوا إلى مكان وجوده والوقوف طويلاً في طوابير للحصول على قطرةٍ من حليبه السحري، الذي (بحسب ظنّهم أو ترويجهم) يشفي الكثير من الأمراض المزمنة وخاصة العُقم، وفي النهاية تلاشت كل هذه الاعتقادات الخاطئة بعدما تبيّنت حقيقة الأمر، لكن بعد أن دفع الناس مبالغ مرتفعة ثمناً لهذا الحليب السحري أملا بالشفاء...

لا يزال بعض البوكماليين ممن شهدوا تلك الحادثة يتذكرون جيداً التداعيات التي رافقت هذه الحكاية، فيقول الحاج "محمود المشوح" /65/ عاماً: «كان ذلك في عام /1986/م عندما جلب أحدهم تيساً غريب الأطوار يدرُّ حليباً؛ فنسجوا أوهاماً واعتقادات وادّعوا بأنه يشفي حالات العُقم؛ وعندما وصلت أخبار هذا التيس إلى المحافظات الأخرى بدأ الناس يقصدون "البوكمال" من كل جهة للظفر بحليبه أملاً بالشفاء».

لم يكن ذلك التيس يعاني من أي مرض، لكن كان لديه طفرة هرمونية في نمو الثدي لذلك أخذ يحلب حليباً طبيعياً بنسبة ضئيلة لا تتجاوز /5/ ملم، وهي ظاهرة لا تحدث إلا بنسبة واحد إلى /1000/ حالة

رافقت هذه الحادثة الكثير من المواقف الطريفة على الرغم من هول الإشاعة حول القدرات المستحيلة لحليب هذا التيس، فيقول الحاج "عثمان العامر" /58/ سنة: «لكثرة أفواج الناس القادمين لم يعد حليب التيس يكفي فأصبح يُمزج بحليب البقر ولم تعد الفنادق تكفي لإيوائهم؛ فأخذوا ينامون بالعراء حول خان التيس، ونشطت الحركة التجارية بالمدينة، وفي إحدى المرات وقف شخص أمام التيس وقال: معقول هذا التيس يشفي جميع الأمراض؟؟ فسمعه التيس ثم رفع رأسه وحمّلق بالرجل نظرة خُبث».

الحاج "محمود المشوح"

لم تتوقف أنباء هذه الحادثة الغريبة ضمن المجتمع المحلي فقط؛ بل تخطّت الحدود الدولية ووصلت حتى إلى دول الخليج العربي، فيقول الحاج "فرحان الأشعب" /60/ عاماً: «ظهر هذا التيس قبل انتهاء عطلتي السنوية من أجل السفر مجدداً؛ ووقتها عرضتُ مبلغ /1500/ ليرة سورية على صاحبه مقابل بيعه لي لأخذه إلى حديقة الحيوانات في المملكة العربية السعودية؛ لكنه رفض العرض. بعد نحو شهر من مغادرتي إلى "السعودية" قرأتُ في صحيفة "الشرق الأوسط" خبراً يقول: (تيسٌ يحلب حليباً في "البوكمال"!!) في تلك اللحظة تذكرت ذلك التيس الذي كنت سأشتريه».

تحطّمت أحلام الناس بالشفاء بعدما أكد المختصون أن ولادة هذا التيس ناتجة عن خلل هرموني؛ فيقول الباحث التاريخي "حميد السيد رمضان" الذي كان على اطّلاعٍ بالحادثة منذ بدايتها: «ذاع صيت التيس بأن حليبه يشفي من جميع الأمراض بما فيها حالات العُقم، ونُشرت مقابلة صحفية في جريدة محلية لصاحب التيس، كما نشرت جريدة "القبس" الكويتية نفس الخبر، كذلك تم ذكر الحادثة خلال البرنامج التلفزيوني (أرضنا الخضراء) المتخصص بقضايا الفلاحين وهكذا انتشر الخبر في معظم الدول وبدأت الحشود تأتي إلى "البوكمال" لتحظى بالحليب الشافي.

الحاج "فرحان الأشعب"

وبعد فترة جاء طبيبٌ من "أميركا" وحلّل حليبه وتبيّن معه أن التيس لديه فرط بإفراز الهرمونات؛ ثم جاء أطباء من "كندا" ودول الخليج وكلهم اتفقوا على نفس الكلام.

بعد عشرين يوماً من هذه الضجة قرّرت وزارة الزراعة أخذ التيس لإجراء التحاليل وبعد مرور خمسة عشر يوماً أعادوه إلى صاحبه بعد أن فَقَدَ التيس شهرته، بعدها بسنة مات وماتت معه الأمنيات بالشفاء».

الطبيب البيطري "وليد البرجس"

بدوره أكد الطبيب البيطري "وليد برجس" أن حالة ذلك التيس كانت نادرة وأنه قام بفحصه في ذات اللحظة فيقول: «لم يكن ذلك التيس يعاني من أي مرض، لكن كان لديه طفرة هرمونية في نمو الثدي لذلك أخذ يحلب حليباً طبيعياً بنسبة ضئيلة لا تتجاوز /5/ ملم، وهي ظاهرة لا تحدث إلا بنسبة واحد إلى /1000/ حالة».

** تنويه:

الصورة الرئيسية ليست لتيس "البوكمال" بل هي من الأرشيف.