قد لا يلفت نظرك هذا الدكان الصغير في تلك الحارة الجانبية من سوق "الجبيلة"، ولكنك إن أمعنت النظر بداخله فسترى رجلاً في الستين، تحيطه مجموعات من الصور الموضوعة على الأرض تنتظر من يعلقها.

أما الشخص فهو الأستاذ "زهير العلي" وأما الصور فهي مجموعة من الصور التراثية أخذت لـ"دير الزور" قام هو وبمساعدة بعض الأشخاص بجمعها وإعدادها، والتعليق على بعضها شارحاً زمان أو مكان أو شخوص ما نشاهده فيها.

الأستاذ "زهير العلي" من الناس الذين عشقوا التراث، وبالأخص "الدير العتيق" وما فيه من دفء وحنين فقدناه حالياً

eSyria بحث عن الأستاذ "زهير" الذي سمعنا به قبل أن نراه، وفي دكانه الصغيرة كان لنا معه هذا اللقاء، فحدثنا فيه عن نفسه وعن تجربته الفنية وعن الصعوبات، والمعاناة التي واجهته من أجل أن يقيم معرضه الذي أجراه في المركز الثقافي "بدير الزور" بتاريخ 8/8/2009 في الساعة الثامنة مساءً فقال لنا: «أنا من مواليد 1949، وأحمل أهلية تعليم ابتدائي من دار المعلمين، وحبي للدير دفعني لأجمع الصور تقريباً من أكثر من عشرين سنة، ولم أكن أتوقع أني سأنفذ معرضاً، ولكن حصل أن أقمت معرضاً بعد أن دمر محافظ "الدير" "أسعد صقر" سنة 1967- 1968 ما بناه الأجداد بإصداره أمر هدم "الدير العتيق" الذي كان يحوي رفات خمس مدن تدل على حضارة هذا البلد وقدمه، ونستشهد بالعالم الألماني "كارل إدوارد ساخو" سنة 1879 الذي يقول: "ترجع هذه المدينة إلى القرون الوسطى، وتكشف البقايا في جنوبها وشمالها عن سد حجري ظاهر في المياه".

الوحات معلقة على جدران محله الصغير.

بينما الكاتب الفرنسي "فردينان توتول" سنة 1887 يقول عن "الدير": "إن دير الزور لها جذورها التاريخية من الآراميين والآشوريين والبابليين". كما يقول عالم الآثار البريطاني "ويلسون بيج" سنة 1890: "حول الدير بساتين تلطف جو المدينة وهي كثيرة جداً".

ويذكر "عمر صليبي" في كتابه: "هذه المدينة قد سكنها إنسان العصر الحجري في تل بقرص، واستوطنها السومريون والآشوريون والأكاديون والفرس، ويذكر التاريخ أن اليونان قد احتلوها عام 333 ق.م ثم احتلها الرومان سنة 64 قبل الميلاد".

بعض الشروحات التي يرفقها بلوحاته.

وفي العصر العباسي شهدت المدينة ازدهاراً عمرانياً وزراعياً، وكان هناك ترعة شرق المدينة قد تم إزالتها عندما هدم "الدير العتيق"، وكذلك نجد شاهداً آخر هو تلك المئذنة المثمنة التي كانت عبارة عن منارة في هذه المدينة، تشاهدها من كل الجهات وهي لجامع "الملا علي"، أيضاً أزيلت مع هدم "الدير العتيق"، وكانت الآثار المتبقية في المدينة تشدني جداً مما دعاني إلى الاحتفاظ بالصور التي تتوافر لدي، إلى أن جاء عام 1999 حيث أقمت معرضاً صغيراً على قدر محل في مهرجان التسوق في "دير الزور" ولكنني لم أرو غليلي، وفي عام 2008 أقمت معرضاً ضم 75 لوحة عن "دير الزور" وفراتها وفي هذا العام 2009 أقيم هذا المعرض والمؤلف من 75 لوحة، وأنا لدي أكثر من 150 لوحة- وهي ملك للديريين طبعاً- ما بقي من لوحات يتحدث عن نضال شعب "دير الزور" في عصر الانتداب الفرنسي والأبطال الذين ضحوا بأرواحهم».

لقد أثارت الصور التي جمعها وعرضها الأستاذ "زهير العلي" قريحة كثير من الديريين، فحاور eSyria بعض المعجبين بهذا الهاوي:

لوحات جاهزة للعرض

"مروان المطر" صديق للأستاذ "زهير" قال: «مجموعة الأستاذ "زهير العلي" رائعة لأنها من أكبر مجموعات الصور التي تتحدث عن "الدير" وتستدعي هذه الصور للبال ذاكرة كاملة».

"محمد مروان" خريج معهد تصحّر، وأحد زوار معرض الأستاذ "زهير" في المركز الثقافي "بدير الزور" أضاف: «الأستاذ "زهير العلي" من الناس الذين عشقوا التراث، وبالأخص "الدير العتيق" وما فيه من دفء وحنين فقدناه حالياً».

الأستاذ "غسان رمضان"، باحث في التراث الفراتي قال: «لم تكن معرفتي بالأستاذ "زهير العلي" بعيدة العهد، وقد دعمت هوايته هذه بتزويده بمجموعة كبيرة من صور "الدير العتيق"».