صدر مؤخراً رواية للأديبة الفراتية "أسماء شلاش" بعنوان " مدينة للحب والدم والاحتراق" لتكون بذلك باكورة أعمالها الروائية. eSyria التقى هذه الروائية الشابة لتحدثنا بداية عن ولادة عملها الإبداعي هذا:

«كل فكرة لعمل أدبي تأتي مثل وميض..وتفاجئنا مثل شعاع ..لاشيء يأتي من العدم أو الفراغ, فالأفكار موجودة في كل زمان ومكان وهي التي تملأ هذا الفراغ, وعلى الكاتب أن يعيد تركيبها بما يملكه من أدوات الصياغة وقوة التعبير.

في رواية "مدينة للحب والدم والاحتراق" تقدم "أسماء" للقارئ العربي محطة أخرى من محطات جهدها المبدع, محققة مرة أخرى الدهشة والإعجاب في قدرتها على اختيار مواضيعها, لما لها من أهمية وحساسية من جهة, ثم في قدرتها عبر أسلوبها النقدي والسلس في عباراته ولغته معاً على إيصال ما تتناوله للقارئ من جهة ثانية

أمّا روايتي بدأتْ من العنوان, مع أنه آخر شيء رسمته عليها...لم أوقع إلا بالحبر إيماناً أن الدم هو قربان الحرية والحقيقة, لكن ما ليس واقعاً يصبح واقعاً أحياناً..ليستْ مدينة واحدة, إنها كل مدينة عربية لديها عقيدة مقاومة الاحتراق.. والبحث عن الحرية في زنابق الدم ..نبعتْ فكرتها من يقيني بأن الكلام إن لم يصنع التاريخ فيجب أن يكتبه ليقرأه الناس,أو أن يحركه الأقل».

الباحث الدكتور عدنان عويد

وعندما سألنا الأديبة "الشلاش" عن زمان ومكان الرواية، وكيف تمَّ اختزالهما على الورق؟

قالت لنا: «مكانها "من محيط أحزاني إلى خليج عينيكِ" . بهذه العبارة يخاطب البطل ليلاه المفقودة أو فردوسه أو مدينته أو حبيبته..التي يؤمن أنها ستولد من الرماد.

غلاف الرواية في طبعتها الأولى

مكانها من المحيط إلى الخليج، ربما مروراً بإسبانيا.. هناك أضاع العرب ملكهم بسقوط غرناطة، وزمانها كل زمان يفوح فيه العطر العربي الذي يجب أن يملأ فضاء خيباتنا..».

وعادة ما يكون علاقة بين شخصية الكاتب وشخصيات أبطال رواياتهم، فهل وجدت علاقة كهذه بين الكاتبة "أسماء" وأبطالها الروائيين؟ أجابتنا بقولها:

«نعم, تقوم على الود أحياناً وليس دائماً، أنا أؤمن بمقولات أبطالي, أو ما أؤمن به أجعل أبطالي يؤمنون به، فشخصية "وائل" أو "ليلى" في كثير من جوانبهما تنتميان إلى "أسماء" لكن ليس من الضروري أن يحدث ذلك في كل عمل أدبي لأن العمل الأدبي يجب أن يحمل النقيضان الأزليان "الخير والشر"، وبهذا الصراع تولد الأفكار والمشاكل و القضايا والحلول».

وأما المقولة النقدية الشهيرة القائلة بأن "الأدب انعكاس للبيئة" فلأديبتنا رأي مختلف فيها إذ تقول مبينة ذلك :«باعتقادي هذه مقولة كلاسيكية قديمة، ربما يستطيع الكاتب أن يتخلى عنها أحياناً, دون الخروج الكلي عنها. مثلاً: هل كل كاتب ديري يجب أن يكتب عن البيئة الفراتية فقط؟ فنحن نسمع بمقولة أدب فراتي !! الأدب وعي إنساني ليس له زمان أو مكان.

الأدب خلق وتكوين وإبداع, وليس بالضرورة أن أتحدث عن المشكلات البسيطة في قصة أو رواية, فعادة تكون هذه الأمور من عمل الصحافة فهي التي تسلط الضوء على هذه الظواهر. مثلاً: أنا ابنة ريف, لكن هل من الضروري أن أعالج قضية استغلال الفلاح ؟ فالأدب تحدث بما فيه الكفاية عن ذلك، وهذا يعني أنك لن تكتب عن قضية فلسطين إلا إذا كنت فلسطينياً! البيئة الإنسانية العامة غنية أيضاً بما يجب أن نكتب عنه، ففي روايتي لم أعكس البيئة الخاصة أبداً, لكنها كانت ملهمتي "هذا رأيي الشخصي وربما يختلف معي الآخرون"».

وهناك معايير يضعها كل كاتب لنفسه ليكون راض عن نتاجه أو لكي يفوز برضى القارئ، فبالنسبة لهذه المعايير تراها أديبتنا بطريقة خاصة شرحتها لنا بالقول: «باعتقادي أن الموهبة وحدها لا تكفي لصنع كاتب حقيقي، فالثقافة أهم شيء يجب أن يصاحب الموهبة, لأنها تمنح الكاتب وعياً ذاتياً, وتقويماً حقيقياً للذات، فكثير من الأدباء –للأسف- لا يمتلكون الثقافة, مع أنهم يمتلكون الموهبة, لذلك يظل أدبهم في طور الجمود فلا يستطيعون التجديد، وأنا هنا لست بصدد التنظير على أحد لكنه الواقع، والكاتب يكون راض عن نفسه عندما يعرف قدر نفسه، وعندما تجتمع لديه الموهبة والثقافة التي تمنحه -كما قلت- نقداً ذاتياً مما يجعل الناس يثقون به وبقلمه الواعي الخلاق ».

وفي الأوساط الأدبية يتم الحديث كثيراً عن جو الكتابة، والطقوس الخاصة التي يهيئها الكتب أثناء عمله الإبداعي، فهل الكتابة تفرض طقوسها على الأديب أم أنه يجب أن يهيأ الطقس المناسب لتقدح في ذهنه شرارة الإبداع: «الكتابة تشبه في السياسة ما يسمى"الحرب الاستباقية" لكنها حرب سلمية, ليس لها آثارا مدمرة..! الكتابة عملية تحتاج إلى صفحة بيضاء خالية ومتوترة, ومزاج خاص يرافق ذلك, وشعور دافق غامض, وهي استجابة صريحة لنداءات داخلية مبهمة, وهذا الإبهام يتم تفسيره على الورق, وهي في النهاية وحي وإلهام، لكن البعض صار يراها صنعة, ولم تعد تلك الحالة التي تباغتنا ثم نسكب الحبر، أنا أخالفهم بنسبة كبيرة, لأنه إن لم يكن ثمة ما يجبرني على أن أكتب فلن أكتب, يجب أن يكون لدي رغبة جامحة بالكتابة, وإن لم توجد الرغبة يجب أن أخلقها».

يتكلم الكثير من النقاد الأدبيين عن وجود أدب ذكوري وآخر أنثوي، لكن هذا التقسيم برأي "الشلاش" يفتقر للأسس الموضوعية، بل ويعزز ثقافة التفريق بين الجنسين، حيث تشرح لنا رأيها قائلة: «أنا ضد هذه التفرقة التي لا طائل منها أبداً لأن الذين يقسمون الأدب على هذا الأساس إنما يرسخون التفرقة بين الجنسين, لأن للأدب جغرافية واحدة ليس بينها حدود، وماداموا يحترمون المرأة كما يدعون فالأفضل أن يلغوا تسمية "أدب أنثوي" لأنها إنما وضعت لتعزيز النظرة الدونية للمرأة, والذين يطلقون هذه التسمية إنما يعجزون عن الاعتراف بتفوق المرأة عليهم.

ليس ثمة حدود بين أدب الرجل والمرأة. هل يجب أن أكتب حتى يشعر القارئ أني أنثى؟. لماذا لا يقولون أدبي ذكوري مثلا؟!. إذا كان الرجل نصف العالم فالمرأة هي النصف الآخر، مثلاً هم يقولون أن أدب الأنثى يتسم بالرقة، فأقول لهم: إن أجمل شعر الغزل وأحلاه كتبه الرجال, وكما هو معروف فإن شعر الغزل يتسم بالرقة، وهل هناك أرق وأحلى من شعر "قيس" و"جميل" و"الشريف الرضي" و"جرير" وسواهم ؟!.

شخصياً لا أحب أن أتناول القضايا التقليدية للمرأة, فقد قيل فيها الكثير, ولست مضطرة للتكرار فقط لأني امرأة، فالرجل له قضايا أيضاً، الأدب تعبير عن الفكر والثقافة والوعي والإحساس سواء كتبته المرأة أو الرجل..ليس ثمة قضية اسمها المرأة لأن المرأة ليست حالة شاذة في الوجود!».

كما التقينا الدكتور "عدنان عويد" رئيس تحرير جريدة الفرات السابق، ليحدثنا عن رأيه بهذا العمل الإبداعي الجديد للأديبة "أسماء الشلاش" ، فقال لنا: «في رواية "مدينة للحب والدم والاحتراق" تقدم "أسماء" للقارئ العربي محطة أخرى من محطات جهدها المبدع, محققة مرة أخرى الدهشة والإعجاب في قدرتها على اختيار مواضيعها, لما لها من أهمية وحساسية من جهة, ثم في قدرتها عبر أسلوبها النقدي والسلس في عباراته ولغته معاً على إيصال ما تتناوله للقارئ من جهة ثانية».