مشاريع بقيت مدونة على الورق وأخرى في ذاكرة زملائه، عشر سنوات مرت على رحيل الفنان والناقد التشكيلي المرحوم "أحمد صبحي"، ابن هذه المدينة السمراء التي عشقها بكل جوارحه، جاب شوارعها وأزقتها، انتعل رمالها واستنشق حزنها وفرحها، عجاجها وصحوها.

عاش الفنان والناقد التشكيلي الراحل "أحمد صبحي" حياته الفنية والصحفية بصخب المحب لعمله وفنه، لم يقعده أو يشله المرض وبقي يرسم ويكتب ويحلم حتى آخر لحظة في حياته، كان دائم الابتسامة التي يخفي خلفها حزن الطفولة المبعثرة على شفاهه كأحجار الرصافة.

في زيارتي الأخيرة للفنان "أحمد صبحي" أخرج عدّة أعمال حروفية ووقف عند عمل منها وسألني ما رأيك به فأجبته بأنه جميل، ضحك وقال: لم نتعود النقاش هكذا فما رأيك به، قلت له: هذا الحرف المتأرجح على الكرسي يريد أن يرحل بشكل أنيق، قال ضاحكاً هذا ما أردته فعلاً

موقع eDeiralzor التقى صديقه الفنان التشكيلي "منير اسماعيل" ليحدثنا عن حياة المرحوم "أحمد صبحي" ورحلته مع الحياة فقال: «ولد الفنان في "دير الزور" عام /1967/، فقد والده وهو في الثالثة من عمره وبدأت رحلته الشاقة مع الحياة، تعلم في مدارس "دير الزور"، ونال شهادة تخصص من معهد التربية الرياضية وعمل مدرساً للرياضة في مدارس المدينة، بدأ الرسم والخط منذ طفولته وكان ميله للخط العربي أكثر وضوحاً، وفي مرحلة الشباب بدا اهتمامه واضحاً بطرح الموضوعات التراثية التي وظف فيها الزخرفة الإسلامية معتمداً على الخط العربي كعنصر تشكيلي أساسي في اللوحة».‏

من أعمال الفنان أحمد صبحي

وتابع "إسماعيل" حديثه قائلاً: «اتجه "صبحي" لرسم الطبيعة الصامتة وبأسلوب انطباعي، إضافة إلى بعض البورتريهات والتي عالجها بأسلوب تعبيري، بعدها اعتمد كلياً على الخط العربي واللوحة الحروفية وبدأت تظهر خصوصيته في هذا المجال، وكانت أعماله تعتمد على التجريب والذي كان محصلة لثقافته الملموسة لكل من تطرق للوحة الحروفية على صعيد الوطن العربي، فأتت لوحاته عبارة عن فراغ سماوي تسبح فيه الحروف، ضمن نظام كوني ولوني خاص بالفنان حيث تتوازن فيه العناصر مع بعضها بعضاً في تشكيل فراغي لا يخلو من الجاذبية بين المفردات المكونه للوحة، لتقدم لنا عملاً فنياً متوازياً من حيث العقل والعاطفة».

أما على صعيد عمله في الصحافة فأشار "إسماعيل" بالقول: «كان صحفياً موهوباً ومحاوراً ذكياً وله الكثير من الحوارات والدراسات النقدية والصحفية لعدد من الأدباء والفنانين والشعراء العرب، ألف كراساً عن فناني المحافظة بعنوان (الفن التشكيلي "الفراتي" بين التراث والمعاصرة)‏، وهو عبارة عن بيبلو غرافيا، وكان يقوم بإعداد كتاب عن الفنانين الحروفيين العرب في أرجاء الوطن العربي وقد راسل الكثير منهم على أمل اللقاء بهم، لكن القدر كان الأسرع في لقائه ولم يتحقق هذا المشروع الثقافي والقومي، له دراسات عن "الموليا الفراتية" منذ البدايات وصولاً إلى نهاية الإلفية الثانية،‏ نشر مقالاته النقدية وحواراته الفنية في الجرائد السورية "البعث"- "تشرين"- "الثورة"- "الحرية"، وكذلك في مجلة فنون والمقاول العربي "السورية" وجريدة الكفاح العربي "اللبنانية" وجريدة "الجزيرة السعودية"».

خليل عبد اللطيف أحد زملائه

ويتذكر الفنان "إسماعيل" ماذا حدث في آخر زيارة للمرحوم "أحمد صبحي" وكيف شعر الأخير بقرب وفاته فماذا حدث؟: «في زيارتي الأخيرة للفنان "أحمد صبحي" أخرج عدّة أعمال حروفية ووقف عند عمل منها وسألني ما رأيك به فأجبته بأنه جميل، ضحك وقال: لم نتعود النقاش هكذا فما رأيك به، قلت له: هذا الحرف المتأرجح على الكرسي يريد أن يرحل بشكل أنيق، قال ضاحكاً هذا ما أردته فعلاً».

الناقد الفني "خليل عبد اللطيف" أحد الزملاء الذين رافقوا المرحوم منذ مرحلته الابتدائية حتى وفاته تحدث قائلاً: «عرفت الفنان "أحمد صبحي" في المرحلة الابتدائية وكان الفن يسري في دمه وكثيراً ما ترافقنا لمشاهدة المعارض التي تقام في المركز الثقافي "بدير الزور"، وعلى صغر سننا كنا نناقش ونستفسر موضوعات اللوحة وألوانها، وامتدت هذه الصداقة حتى أثناء تأديتنا خدمة العلم كنا نرسم ونكتب ونتحاور ولو شاء القدر أن يعيش أكثر- لكن حكمة الله أكبر من التمني- لكان المرحوم قامة فنية ونقدية تمتد على الساحة "السورية" لأن طموحه غير المحدود تجلى في صبره ومثابرته ومتابعته للشؤون الفنية داخل المحافظة وخارجها».

لوحة أخرى من أعماله

أما عن أعماله فشرح عنها بالقول: «تميل معظم أعماله إلى الواقعية والانطباعية، تحاكي البيئة والمجتمع والمعاناة الإنسانية وتتصاعد برؤى إيحائية تعبر عن جمال الطبيعة بالتوازي مع موضوعات محورها المرأة، ضمن صيغ فنية مختلفة تبثها مشاعره وأحاسيسه التي تتسم بالصدق من المتلقي تفرزها ريشته الرشيقة ضمن مكونات أساسية للعمل الفني، استطاع أن يجمع بين ريشته ومخزونه الثقافي الفني والإنساني أما فاخورة أعماله الكتابية إصداره كتاب "الفن التشكيلي الفراتي بين التراث والمعاصرة" الذي ألقى فيه الضوء على رواد الحركة الفنية التشكيلية "بدير الزور" جاء بعضها على شكل توثيق، هذه البداية الرائعة والانطلاقة الواثقة قطعها القدر ليفقد الفن التشكيلي "بدير الزور" أحد الشباب الطموحين فنياً وثقافياً، لتبقى أعماله وكتاباته دليلاً ناصعاً للأجيال القادمة».

الباحث والفنان التشكيلي "غسان رمضان" تحدث عن المرحوم "صبحي" بالقول: «لم يدرس الفن إنما كانت تجربته شخصية، كان يملك أكثر من هواية من التحكيم في مباريات كرة القدم إلى امتهان الفن والكتابة، وكان يزور الفنانين في مراسمهم وبيوتهم يحثهم على الأرشفة، يقرأ الكتب والمجلات والصحف كثيراً، ألف عن الفن التشكيلي "الفراتي" تحدث فيه عن تاريخ الحركة التشكيلية في "دير الزور"، وعن قدوم الفنانين التشكيليين لـ"دير الزور" أمثال "نذير نبعة" و"جرجس سعد" و"فائق دحدوح"، كما تطرق في كتابه عن النوادي الثقافية التي أقيمت في المحافظة منذ عام /1944- 1968/ بدأ بدراسة الفنانين "الديريين" ولادتهم وحياتهم ودراستهم وأعمالهم وإنتاجاتهم الفنية».

رحل هذا الفنان الشاب ورحلت معه جميع مشروعاته وأحلامه إلاّ ما بقي منها مدوناً على الورق، وما تبقى منها عالقاً في ذاكرة زملائه، ومازال ذاك الحرف يتأرجح على الكرسي وهو يفكر بالرحيل.

يذكر أن الفنان الراحل "أحمد صبحي"‏ من مواليد "ديرالزور" /1967/، عضو نقابة الفنون الجميلة، عضو نادي التصوير الضوئي، شارك بعدة معارض فردية وجماعية.