إذا كانت الصورة الضوئية عبارة عن حالة سكون وإيقاف للزمن عند أعتابها فإن اللحظة التي سبقتها هي لحظة مغامرة في سبيل انتقاء الزاوية الأفضل، وهذه اللحظة السابقة على التصوير هي اللحظة التي تحدد مستوى الإبداع الذي وصل إليه الفنان الضوئي، فكثر هم الذين يلتقطون الصور ولكن قلة هم الذين يجيدون العثور على تلك الزاوية ومن هؤلاء في "دير الزور" الفنان "صبحي الضلي".

فللتعرف أكثر على هذا الفنان التقينا أولاً بالباحث وبالناقد الفني "خليل عبد اللطيف" الذي عرفنا به بالقول: «في عام 1931 في أحد أحياء "دير الزور" كانت ولادة الفنان "صبحي الضلي" توجه في بداية حياته نحو الفن التشكيلي فكان يرسم بالرصاص أو الفحم لكن بدايته الحقيقية في عالم الفن كانت مع التصوير الضوئي الذي كان هاجسه الأساسي ولذلك سعى في سن مبكرة إلى شراء آلة تصوير خاصة به، ورغم بساطتها فإنه راح يعيش من خلالها متعة تحويل اللحظة العابرة إلى لحظة خالدة من خلال إيقاف زمنها في صورة، وفي عام 1955 اشترى آلة تصوير شمسية وبدأ عمله كمحترف في مجال التصوير».

توفي الفنان الضوئي "صبحي الضلي" في 25/5/2004م وذلك بعد أن قدم الكثير لمدينته "دير الزور" من تخليد لمظاهرها الطبيعية والاجتماعية وأوابدها الأثرية كما خدم التصوير الضوئي الذي كان هاجسه بصورة خاصة

أما عن أول معرض أقامه الفنان "صبحي الضلي" فقد أضاف الباحث: «كان أول معرض له في "الحسكة" سنة 1965 بحكم إقامة أسرته هناك في تلك الفترة وكان يرصد من خلال لوحات معرضه ذاك الغيوم وتشكيلاتها الرائعة وألوانها، عاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه "دير الزور" واستمر في إقامة المعارض حتى إنه كان يقيم في الثمانينيات معرضين في العام الواحد، حيث يبدو أن عودته إلى "دير الزور" في شبابه بعد إقامة عدة سنوات في "الحسكة" نمت عنده ذاك الشغف الكبير بالفرات وبطبيعته الخلابة وجسوره الرائعة وخاصة الجسر المعلق إذ كان كثيراً ما يغامر بالصعود إلى صارية الجسر لالتقاط صورة ما، كما راح يلاحق غرائب الطبيعة ويرصد بعدسته فصول السنة وما بها من تغيرات وخاصة على الفرات وما يحيط به.

الأستاذ خليل عبد اللطيف

وكانت معارضه تلقى حضوراً كبيراً وهنا بدأ بإقامة بعضها في دمشق ومنها معرض الفنانين السوريين "بدمشق" عام 1985، ومعرض بصمات الانتفاضة في المركز الثقافي "بدمشق" عام 1988 ومعرض آخر عن الفرات في نفس الصالة في صيف 1993، وبدأت العديد من المجلات الفنية في سورية وخارجها تهتم به، وقد وجهت الدعوة إليه لإقامة معارض في عدة دول عربية إلا أن ظروفه الأسرية لم تساعده على السفر إلى الخارج».

أما عن أهم المواضيع التي كان يسعى بعدسته إلى التقاطها فقد تحدث عنها الأستاذ الباحث "أحمد شوحان" بالقول: «إذا كان "الديريون" قد أهملوا تدوين تاريخ المدينة أو أن المتأخرين منهم قد أهملوا تصوير "الدربة" و"الطنيرة" وسور المدينة وبابيها "الباب الشرقي وباب الهوا" إلا أنهم شعروا أخيراً بضرورة جمع وتخليد ما بقي من آثار المدينة وتصنيفها وأرشفتها للأجيال القادمة فلم يكن لهذه المهمة الكبيرة الصعبة غير الفنان "صبحي الضلي" الذي شمر عن ساعديه فالتقط آلاف الصور للأسواق والحدائق والمنتزهات والبرك والبحيرات والسدود والأزياء الشعبية وأوقات العجاج والثلج والمطر والفيضانات والعواصف الرملية وجمال وبؤس الطبيعة في الفصول الأربعة إلى غير ذلك مما عجز غيره عن الإحاطة به والتعبير عنه.

الباحث أحمد شوحان

كما قام بعشرات الجولات الميدانية للمناطق الأثرية داخل المدينة وخارجها والتقط صوراً كثيرة لهذه الآثار والأطلال والخرائب الأثرية في "الرقة" و"حلبية وزلبية" و"عين طابوس" و"الدير العتيق" و"بقرص" و"الميادين" وغير ذلك من آثار».

وعن وفاته حدثنا الفنان "غسان شاكر" بالقول: «توفي الفنان الضوئي "صبحي الضلي" في 25/5/2004م وذلك بعد أن قدم الكثير لمدينته "دير الزور" من تخليد لمظاهرها الطبيعية والاجتماعية وأوابدها الأثرية كما خدم التصوير الضوئي الذي كان هاجسه بصورة خاصة».