كثيرة هي المعارض التي تقام في صالات العرض وتبقى مدة من الزمن ثم ينتهي عرضها لتبقى ذكرى بعض الأعمال المميزة في الذاكرة، ولكن المهندس "ماهر رشيد السالم" استطاع أن يقيم معرضاً دائماً له بتصميمات جميلة ثلاثية الأبعاد، والتي صارت تزين منطقة جسر "كنامات" في "دير الزور".

ولتسليط الضوء على هذا المهندس الفنان وما لأعماله من خصوصية التقاه eSyria، فكان أن حدثنا بداية عن تجربته الفنية بالقول: «ولدت في "دير الزور" عام 1962، وفيها درست كل دراستي ما قبل الجامعية، ثم درست المرحلة الجامعية في "كرواتيا" وتخرجت مهندساً للطرق سنة 1989.

لم يسبق لي أن أقمت معرضاً فنياً فردياً من قبل رغم ميولي الفنية منذ نعومة أظفاري، لذا جاء تنفيذ هذه المجسمات بمثابة معرض فردي دائم لي في هذا المكان الجميل على نهر الفرات

بالنسبة لعلاقتي بالفن فأنا أهوى الفن التشكيلي، وبالذات ثلاثي الأبعاد منذ المرحلة الابتدائية وقد سبق أن فزت بالمركز الثاني بمسابقة مجلة أسامة سنة 1974 وقدمت حينها لوحة كانت عن حرب تشرين التحريرية، وقد تأثرت بداية- بشكل غير مباشر- بأستاذي في المرحلة الإعدادية الفنان المعروف "نواف حديدي" لما تحمل أعماله وأفكاره من معانٍ مرتبطة بتراثنا وهويتنا الثقافية، ثم طورت مقدرتي الفنية في المرحلة الثانوية وبدأت بتنفيذ المجسمات ثلاثية الأبعاد، وبالنسبة للأعمال التي أنجزها أعمل على تطويرها وإضفاء بصمتي الخاصة عليها حتى عندما يكون الشكل مقتبساً من التراث أو من أي شكل أشاهده ويحرك بداخلي هاجساً فنياً ما.

المراقب محمد الطلاع

كما ساعد تعلمي على برامج الرسم الهندسي في المرحلة الجامعية، وكذلك زياراتي المتكررة للمعارض الفنية في كرواتيا وفي الدول الأوروبية التي زرتها كإيطاليا وبلغاريا على زيادة إمكاناتي الفنية».

ولم يستطع "السالم" أن يقيم معرضاً فردياً من قبل، إذ يضيف موضحاً ذلك: «لم يسبق لي أن أقمت معرضاً فنياً فردياً من قبل رغم ميولي الفنية منذ نعومة أظفاري، لذا جاء تنفيذ هذه المجسمات بمثابة معرض فردي دائم لي في هذا المكان الجميل على نهر الفرات».

السيوف الثلاثة المتعانقة

وقد استطاع "السالم" أن ينمي هذه الموهبة الفنية حتى عند أبنائه، إذ يقول مبيناً ذلك: «لاحظت الميول التشكيلية لدى جميع أبنائي ومنذ مراحل الطفولة الأولى، لذا حاولت بداية أن أقدم لهم كل ما يحتاجونه لممارسة الرسم، مع تشجيعي وتوجيهي الدائم لهم، ثم لا ألبث بعد أن يقطع كل منهم شوطاً في التدرب على الرسم التقليدي أن أوجه موهبته إلى الأعمال ثلاثية الأبعاد، من خلال استخدام المعجون الملون، أو بعض الكرتون أو بعض القطع والأدوات البسيطة والحمد لله موهبة كل منهم الفنية تسير بالشكل الصحيح وتبشر بالكثير من النجاح».

وبالنسبة لأعماله التي نفذها في هذا الجزء من "دير الزور" شرح "السالم" ذلك بقوله: «منذ زمن بعيد وعندما آتي إلى هذا المكان أحس أن هنالك لمسات جمالية تنقصه، فكان الاقتراح على السيد "مروان حسبات" رئيس مجلس مدينة "دير الزور" والذي رحب بأفكاري الجديدة هذه وقدم كل عون لإنجاحها، فكان أول هذه المجسمات هو مجسم الدراجة الذي يعتمد على خداع البصر، فعندما تقترب منه فسوف تفاجأ بأنه عدة مجسمات متباعدة تعطي من بعيد إحساساً بأنها دراجة، ثم بعدها قمت بتصميم نموذج للبئر يحاكي نموذج البئر في منطقة الجزيرة والفرات، ثم توالت المجسمات من تنفيذ مقاعد مغطاة بشكل بسيط بشكل يحاكي شجرة النخيل، وكذلك نفذنا مقاعد على شكل سفن شراعية فراتية، وكنت في تصميماتي لا أتفرد في قراري إنما أسمع لكل فريق العمل الذي شاركني ونتبادل جميعنا الاقتراحات حتى وصلنا إلى المجسمات بصورتها الحالية».

مقعد على شكل قارب

ولكن أجمل مجسم بين مجموعة المجسمات الجديدة والتي عمل "السالم" على ابتكارها كان نموذجاً يمثل ثلاثة سيوف فراتية متقاطعة مع بعضها وموزعة على محيط دوار جسر "كنامات"، إذ يقول "السالم" ملخصاً كافة مراحل العمل التي مر بها هذا المجسم: «طرحت الفكرة منذ فترة على فريق العمل الذي أديره، فبعد التشاور توصلنا لنموذج معين قمنا منذ أربعة أشهر بالعمل على تنفيذه حتى أنجز الآن، هذه السيوف الثلاثة تشابه بشكلها السيوف التي كانت تستخدم في منطقة الجزيرة والفرات وخصوصاً في البادية، إذ عملت على توزيعها بشكل متساوٍ على محيط الدوار، وبحيث تتقاطع في مركزه مستندة على عمود الإنارة الذي في الوسط لتعطي في المحصلة هذا المنظر الجمالي الذي ترون كتعبير عن كرم وشجاعة أهل هذه المنطقة».

أما الأفكار قيد التنفيذ فهي كما وضحها "السالم": «هناك مجسمان قيد التنفيذ أحدهما هو قنديل كاز بارتفاع ثلاثة أمتار يحاكي النموذج القديم للقنديل، أما المجسم الآخر فهو سفينة فراتية كبيرة سنقوم بتلبيس إطارها الخارجي بالخشب لتحاكي السفن الخشبية القديمة».

ومن فريق العمل الذي ساهم بتنفيذ هذه المجسمات التقينا المراقب الفني السيد "محمد طلاع" والذي تكلم عن دور المهندس "ماهر السالم" بخلق روح الفريق بينهم بقوله: «نعمل كمجموعة كشخص واحد، والذي عزز هذه الروح هو المهندس المبدع "ماهر السالم" رئيس مجموعة العمل هذه، بل إن بعضنا كانت لديه موهبة في الفن استطاعت أن ترى النور من خلال الحوارات المستمرة مع المهندس "السالم" وتطبيق بعض هذه الاقتراحات في بعض الأعمال».