قاده تعليم والده الملا "علي المشعان" للقرآن والذي ارتبط بحبه الشديد لنشر العلم ومساعدة الناس، إلى أن يعشق أيضاً ممارسة هذه المهنة، ويحذو حذو والده، لما لمسه من نبل تعليم الحرف للناشئة، ومعناه في حياة الشعوب، إنه الملا "صالح علي المشعان".

موقع eSyria ذهب إلى منزله وقابل هذا الرجل الذي يعد من أكبر الملالي سناً في سورية، فهو يبلغ "91" عاماً والذي حدثنا بالقول: «أنا من مواليد سنة 1919، وقد تعلمت عند والدي وكان عمري حينها ست سنوات، وختمت القرآن خلال ثلاثة أشهر من التعلم، ثم انتقلنا إلى "دير الزور" وسكنـّا في بيت شَعَر جانب جامع "حرويل" حالياً، ودخلت المدرسة العثمانية في الصف الأول، وعندما لاحظوا تفوقي بالقراءة والكتابة نقلت إلى الصف الثاني، وكنا حينها ندرس اللغة الفرنسية، ولا أزال إلى هذا الوقت أحفظ بعض الكلمات الفرنسية.

يتميز جدي بهمة عالية وكان دائماً يصلّح لنا بقراءة القرآن حين يسمع قراءتنا، وهو للآن يكرس جل وقته لقراءة القرآن والتفكر في معانيه

تجربة حافلة بالمصاعب خاصة تلك التي بدأها الملا "صالح" بعد وفاة والده: «بعد وفاة والدي رحمه الله سنة 1932 قمت بإعالة إخوتي الأيتام، وقد درست القرآن لعدة سنوات حتى ظهور المدارس الابتدائية في الريف حيث تراجع دور "الملا" ومهمته ذات الطابع الديني والطابع التعليمي المتعلقة بمحو أمية الناس، ومن الذين درّستهم الأستاذ "عبد الكافي الحسين المصطفى" والأستاذ "عيد الموسى" والأستاذ "أحمد الدخيل".

الملا صالح المشعان

وقد كانت الأدوات التي نستخدمها بسيطة فبالكاد يوجد القليل من الورق وقلم للكتابة، وفي حال عدم وجود الورق نضطر للكتابة على الأرض، وقد شكلت الكتاتيب مصدراً لنشر العلم والمعرفة في تلك الفترة.

ولم تكن الكتاتيب مهنة تكفي لسد الرمق بل كنت أضطر للعمل فقد عملت مع "أبو هتور" وهو من اشهر البنائين القدامى في "دير الزور" حيث كانت العمارة حينها عمارة تعتمد اللبن والطين كمادة بناء، وكان ما أتقاضاه يومياً هو ثلاثة فرنكات إذا كان العمل لوقت الظهيرة، وربع ليرة سورية إذا استمر العمل حتى غروب الشمس، وقد بقيت مع "أبو هتور" مدة ثلاث سنوات، وكان هذا الرجل كريماً طيب المعاملة، ولولا ظروفي لبقيت مستمراً بالعمل معه، وعند رجوعي إلى "موحسن" عملت فلاحاً، كما عملت فلاحاً فيما بعد في قرية "البغيلية" عند "عصمان بيك"، وهو رجل اشتهر بالنخوة والرجولة».

الملا صالح المشعان وابن أخيه الصحفي زهير المشعان.

وهل بقيت علاقته بالقرآن الكريم كعلاقة مدرسي اليوم بمنهاج الدراسة؟ أي هل بقي وسيلة تعليمية فقط؟ يقول: «لم تبق علاقتي مع القرآن الكريم محصورة ومرتبطة بتدريسي للكتاتيب فقط، وإنما بقيت أختم القرآن عدة مرات في الشهر والواحد، وها أنذا وعمري 91 عاماً وأختم القرآن في رمضان مثلاً كل ثلاثة أيام، وقد ختمته منذ شهر رمضان خمس وثلاثين مرة والحمد لله، ومن ثمرات حبي لقراءة كتاب الله أن جوارحي لا تزال تخدمني، فبصري جيد وأستطيع أن أتحرك لقضاء حوائجي البسيطة والحمد لله، فالقرآن هو أنيس وحشتي في الدنيا وإن شاء الله في الآخرة».

ومن أحفاد السيد "صالح المشعان" التقينا الشاب "عمر محمود الصالح المشعان" وهو طالب في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، والذي وصف لنا فضل جده عليهم بتعلم القرآن حيث قال: «يتميز جدي بهمة عالية وكان دائماً يصلّح لنا بقراءة القرآن حين يسمع قراءتنا، وهو للآن يكرس جل وقته لقراءة القرآن والتفكر في معانيه».

الشاب عمر محمود صالح المشعان.

كما التقينا صهر الملا "صالح المشعان" وهو السيد "صالح الحمود" من أهالي قرية "القريّة" والذي تحدث عن طيب معاملة هذا الرجل، وجمال حديثه بقوله: «لم أشاهد في حياتي رجلاً برقة طبع الملا "صالح"، الذي يتميز بحديثه الممتع المليء بالحكم والعبر، كما أن ملقاه الجميل يزيدك تعلقاً بحديثه».