في منزل يطلّ على نهر" الفرات"، وتتنسم أحجار بنائه عبق "الغَرَب" و"الطَرفاء" وفي عائلة يعتبر معظم أفرادها أبناء شرعيين للفن بمختلف فروعه ومذاهبه، نشأ الفنان الشاب "عبيد اليوسف" ونشأ معه ولعه بالفن عموماً وبالموسيقا وآلة العود بصورة خاصة.

و"عبيد" أو "الحجي" كما يحب أن يلقب من مواليد "دير الزور" 1986، ويدرس حالياً في كلية "التربية الموسيقية" في "حمص".

"عبيد" فنان نشيط، أعرفه منذ حوالي 4 سنوات، وهو يتميز بعلاقات اجتماعية متوازنة مع كل زملائه الفنانين وآمل أن أراه بعد انتهاء دراسته الأكاديمية وقد وصل إلى المكانة التي يستحقها

مارس الرسم والزخرفة منذ طفولته في مرسم والده، وحصل مرتين على المركز الأول على مستوى سورية في التصميم الزخرفي 1997ـ 1998، ثم بدأ بعدها بدراسة الخط العربي، حصل على المركز الأول في مسابقة "العود" في مهرجان "الفنون المركزي" تحت رعاية منظمة "اتحاد شبيبة الثورة" في العام 2003، وشارك بالعديد من المهرجانات مع نفس المنظمة.

أثناء مشاركته في حفل الأوركسترا الشرقية لكلية التربية الموسيقية

حصل على عضوية نقابة الفنانين في عام 2004 بصفة عازف عود فكان أصغر الأعضاء آنذاك.

شارك بعدة أمسيات مع فرقة نقابة الفنانين "بدير الزور"، وبعض الأمسيات على المستوى الفردي ومع بعض العازفين في "دير الزور"، كما شارك فرق أجنبية بالتعاون مع المراكز الثقافية الأجنبية، وبعض الفرق في كلية الموسيقا.

عبيد اليوسف أثناء إحدى الحفلات الموسيقية

بتاريخ 12/1/2010 التقاه eSyria ليكون لنا معه الحوار التالي:

  • نشأت في مدينة لا توجد ألفة كبيرة بينها وبين الموسيقا؟ ألم يصنع ذلك حاجزاً بينك وبين تعلمها؟
  • ** إن بيئتنا نحن منطقة الفرات غنية جداً بالتراث الغنائي بمختلف ألوانه وأشكاله، ولكن بالنسبة للموسيقا، فهي لم تأخذ مكانها المعتاد إلى جانب هذا التراث الغنائي، ووجود الموسيقا لم يكن إلا على مستوى مرافقة المغني في الجلسات الشعبية، ولهذا السبب كنت أسافر من "دير الزور" إلى "دمشق" كل أسبوع لأتلقى بعض الدروس، فالحاجز كان موجودا وهو عدم توافر أساتذة يهتمون بتعليم الموسيقا أو العزف بشكل علمي، ولكني استطعت تخطي كل تلك الحواجز لأنها من صنع بشر وليست طبيعية.

  • إن طلب منك أن تعود سنوات للوراء وتذكر بداية تعلمك للعزف، هل يمكنك أن تحدثنا عن الرغبة الأولى في تعلمه؟ هل كانت بتحريض خارجي، أم رغبة نابعة من ذات "عبيد" الطفل؟
  • ** منذ بدايات تفتح حاستي السمع والبصر لدي، كنت أرى ذلك العود الصغير في أحد أدراج مكتبة والدي، وأسمع نغماته وهي تطفو على نهرٍ من الأغاني الفراتية "الديرية"، وكان السبب الجلسات الغنائية التراثية الفراتية التي كان يقيمها والدي مع أصدقائه في بيتنا، ومنهم الفنان "نبيل آغا" الذي كان أول من جعلني أمسك بالعود وألامس أوتاره، كنت في الثالثة أو الرابعة من عمري حين ذلك، وقد راهن أنني سأقول يوماً "نبيل الآغا" هو أول من جعلني أمسك العود، وذلك حسب رواية والدي.

    مرت بعدها فترة انقطاع طويل بسب انقطاع تلك الجلسات، إلى أن كبرت ورحت أسأل الأسئلة المعتادة: من أنا، وماذا أريد، وماذا سأكون؟

    بدأت بعدها أحاول العزف على العود وكان يساعدني أخي الأكبر "حيان"، حيث كان قد بدأ بتعلم العزف حديثاً آنذاك، وهو أول معلم لي بشكل فعلي.

    ثم سعيت لأخذ دروس بشكل اسبوعي عند صديق والدي الأستاذ "عبد الحميد إسماعيل"، المكنى "أبو إبراهيم"، فتعلمت النوتة الموسيقية والنظريات الموسيقية على يده، وتابعت التمرين بشكل يومي، كما استفدت كثيراً على المستوى التقني بآلة العود من بعض الفنانين في المدينة وهم "ياسر السلامة"، "محمود كواكة"، وعلى المستوى الموسيقي عازف الناي "محمد جراد".

  • كثيراً ما يقع الموهوبون في مشكلة الموازنة بين المستقبل الدراسي والموهبة، هل حلت لديك هذه المعضلة من خلال دخولك كلية الموسيقا، كيف كان تأثيرها على موهبتك؟
  • ** هذه فعلاً معضلة يواجهها معظم الموهوبين من الشباب، أما بالنسبة لي، أنا فلم أواجه هذه المعضلة أبداً.

    حيث كانت تطلعاتي المستقبلية متعلقة بالموهبة والموسيقا فقط، وكان حلمي هو دراسة الموسيقا دراسة أكاديمية، فالتراجع الدراسي لم يكن يعني لي شيئاً على الإطلاق، وكان وقتي كله للعزف والتمرين وقراءة ما يتعلق بالفن والموسيقا، وكنت ولا أزال مذهولاً بهما، محاولاً التقدم دائماً خطوة فخطوة إلى داخل هذا العالم، والتعرف على جماله وخباياه وأسراره.

    ودخولي الكلية لم يكن حلاً لأي مشكلة، بل كان تحقيقاً لحلمي، إذ كنت أرى فيها الباب الذي أستطيع أن أدخل منه إلى عالم الموسيقا، وكان لها بالفعل تأثيرٌ كبيرٌ على موهبتي وصقل هذه الموهبة بشكل علمي وأكاديمي.

  • أنت شاب في العشرينات من العمر، وتأخذ الموسيقا جل وقتك وإحساسك، كيف أثر ذلك على بقية الجوانب في حياتك، الصداقة، الحب، العلاقة بالأهل والوالدين؟
  • ** الصداقة والحب والفكر والحس والجمال... كل هذه مفاهيم وأحاسيس وأفكار مجردة أو تجريدية، مكانها القلب والعقل، وتأخذ زادها من الروح والمشاعر والعواطف الإنسانية، لا من النشاط اليومي أو الحياة اليومية، وذلك يشمل أيضاً العلاقة بالأهل والوالدين، فأنا الآن أعيش مع أفراد أسرتي، ألقاهم قبل بداية نشاطي اليومي، وألقاهم بعد ختامه.

    أما فيما يخص التواصل الاجتماعي، فالتواصل الاجتماعي أحياناً يكون حاجة وأحياناً يكون فسحة وأحياناً يكون نشاطاً اعتيادياً ويومياً، وأما بالنسبة لي فالتواصل الاجتماعي له أوقاته ومناسباته.

  • أراد لك والدك دخول كلية "الفنون الجميلة"، فتقدمت للامتحان وتجاوزته بنجاح، ورغم ذلك أخبرت الجميع وقتها بأنك فشلت، كي لا تجد عناصر ضغط تدفعك للفن التشكيلي، هل كان ذلك وفاء منك للموسيقا؟
  • ** نعم، تلك كانت رغبة والدي، وهي رغبة مبررة، حيث إن كل فنان يأنس بوجود من يكمل مشواره الفني ومدرسته الفنية، وتكون هذه الأمنية ذات معنى أكبر إذا كان من يكمل المشوار هو الابن وليس شخصاً آخر، فكنت أرى الأمر من منظارين:

    الأول، أنني كنت وما زلت أرى في والدي الفنان "عبد الجبار ناصيف" أعظم فنان تشكيلي في منطقة "دير الزور" وعلى امتداد وادي الفرات بأكمله، وكنت الأكثر التصاقاً به من باقي إخوتي، وبسبب ما يتمتع به من موهبة فذة ونادرة، وبسبب عالمه الفني الساحر وملامح مذهبه الفني الخاصة وبسبب أفكاره وآرائه الفنية التي تتكرر على مسامعي كل يوم أدركت عظمة تلك الخلاصة النظرية بعد اكتمال ونضج تجربته الفنية، ولذلك كنت أرى في إكمال مشواره الفني عبثاً، وتخريباً لخيوط مذهبه الفني التي استغرق نسجها عدة عقود لأني لم أعش في البيئة التي عاشها، وبنات أفكاري الفنية ستكون من أفكاره، بينما أفكاره من بيئته التي عاشها والطبيعة التي تغذى منها، واختلاف مصادري عن مصادره سيترك ثغرات على امتداد مذهبه الفني، ولم أكن لأجرؤ على ملء تلك الثغرات بحواشٍ فنية صناعية، فرأيت الابتعاد عن ذلك المذهب حفاظاً عليه ليكون مصدراً فنياً رصيناً.

    المنظار الثاني: بدأت في تلك الفترة بالانجذاب نحو عالم الموسيقا وآلة العود، وبدأت أرى فيهما وسيلة للتعبير عن روحي وأفكاري، ومنهجاً إنسانياً يرسم مسيرة حياتي الفنية المستقبلية.

    وفي نهاية المطاف، إن الموسيقا والفن التشكيلي هما رؤيتان مختلفتان لفكرة جمالية واحدة، ووجهان لعملة واحدة، والتباين يكمن في حواسنا البشرية وطريقتها في التعامل مع كل منهما.

    وعن علاقات الفنان "عبيد" الاجتماعية حدثنا زميله الفنان الموسيقي "محمد الجراد": «"عبيد" فنان نشيط، أعرفه منذ حوالي 4 سنوات، وهو يتميز بعلاقات اجتماعية متوازنة مع كل زملائه الفنانين وآمل أن أراه بعد انتهاء دراسته الأكاديمية وقد وصل إلى المكانة التي يستحقها».

    وعن انتظار المدينة له وللطاقات الموسيقية الشابة حدثنا السيد "تحسين الحسين"، رئيس مكتب النقابة في "دير الزور": «"عبيد" من الفنانين الموهوبين وقد حصل على عضوية النقابة في سن مبكرة 17 سنة ولم يتوقف عن محاولة تطوير قدراته وإمكانياته و"دير الزور" تنتظر مساهمات الشباب الموسيقيين ومساهماته هو بصورة خاصة بعد تخرجه من الجامعة لكونه الوحيد بينهم الذي فكر بدراسة الموسيقا بشكل أكاديمي».

    وعن بدايات تفتح موهبته حدثنا الفنان التشكيلي "عبد الجبار اليوسف" المعروف "بعبد الجبار ناصيف" والد "عبيد" قائلاًً: «ظهرت بوادر الموهبة عند "عبيد" في سن مبكرة في أكثر من مجال من مجالات الفنون "كالزخرفة والرسم والخط العربي" إلا أن تلك الموهبة تركزت في الموسيقا وهذا ما لم يفعله الكثيرون من الشباب الموهوبين حيث يضيعون بين شتى أشكال الفنون، و"عبيد" اختار اختياراً قطعياً ونهائياً وأخلص لهذا الاختيار على الرغم من أنني أراه رساماً قبل كل شيء وأنا أتوقع له مستقبلاً كبيراً يوازي هذا الإصرار، بالإضافة إلى أنه يهتم بثقافته اهتماماً كبيراً سواء منها ما يتعلق باختصاصه أو بالفن عموماً».